






السمعة:
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
من أعظم الطوامّْ التي ابتلانا الله بها في هذا العصر هو إحتقار الذات، فبعد أن ابتعدت الأُمَّة الإسلامية عن اتباع نهج نبيها والتمسك بقرآنها وسُنّتها، انسدل علينا غشاء الذل والهوان واحتقار الذات، وأصبح كل ما هو مرتبط بديننا وثقافتنا ولغتنا عارٌ نتبرأ منه؛ وهو ما نراه اليوم رأي العين في كل شيء؛ فعلى المستوى الاستهلاكي تجد أن الثقة مطلقة في المنتج الأجنبي ومعدومة في المنتج المحلي، وعلى المستوى العلمي والأكاديمي تجد أن الثقة مطلقة في جامعات المستوطن الأبيض وعلوم أبناء العم سام، فتجد نفسك في صراع بين جنبين، جنب واقع أليم عن تفوق حضاري، وتكنولوجي وعسكري وعلمي غربي، وجنب ذل وهوان وتأخر وضعف حتى سمونا بدول العالم الثالث.السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي المسلم، أختي المسلمة، عزيزي القارىء، مهما رأيت من أمر واقع، ومرار فاقع، إيّاك أن تحتقر نفسك، إيّاك أن تستسلم للأمر الواقع الذي يتم فرضه عليك في هذا الزمن، فهذا هو المطلوب لإنجاح خطتهم وإبقاء رأسك تحت التراب، هم يريدون ذلك، يريدونك أن تنظر إليهم من الأسفل، وهم ينظرون إليك من الأعلى، وقد تمكنوا من فعلها في الواقع.
ستسألني الآن وتقول : ما الحل ؟؟
حتى تعرف الحل عليك أن تحلل المشكلة وأسبابها وهذا ما سنفعله في هذا المقال حتى نتوصل إلى حل جذري لهذه المشكلة، لذلك أحضر مشروبك المفضل ومذكرة لأخذ الملاحظات وجهز متصفح الويب الخاص بك حتى تبحث عن كل ما أقول وتتأكد منه حتى تثبت المعلومة.
أسباب المشكلة : -
إذا نظرت للتاريخ ستجد أن هناك سببًا رئيسيًّا واحدًا لهذه المشكلة، وبعد ظهور هذا السبب ظهرت توابع أخرى كارثية أوصلتنا لما نحن عليه اليوم؛ وهذا السبب الرئيسي هو البعد التدريجي عن منهج الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم , ومن هنا تبدأ كل الكوارث, بمجرد ابتعادك عن المنهج الشرعي السليم ستبدأ بفقدان أهمية الحياة، ويبدأ مع هذا الفقدان ظهور العبثية في أمورك الدنيوية, وبذلك تدخل في المحظور؛ فينسلخ الناس من شرع الله رويدًا رويدًا حتى يفصلوا دينهم عن دنياهم، ويصبح الدين محله المسجد فقط وبذلك ندخل فيما نسميه اليوم بالعلمانية وهو **فصل الدين عن الدولة بعد أن كانت الدولة تُقام بشرع الله وأحكامه وحدوده**، بدأنا باستبدال هذه الشرائع الإلهية بشرائع البشر، ومن هنا يبدأ الخلل وينتشر شرٌ عظيم.
إن الشر لا يتوقف هنا؛ (لأنك بفصل الدين عن الدولة وترك باب الحرية المطلقة مفتوحاً للجميع)، تظهر أفكار سياسية جديدة وتيارات مختلفة تم بناءها عادة على أفكار دينية وشرائع قديمة لا علاقة لها بالإسلام من قريب أو بعيد.
الآن وبعد أن استبدلنا الشريعة الإلهية بشريعة بشرية هل تنتظر من الله أن ينصرك ؟؟ بالطبع لا، ستقول كيف ونحن مسلمون وهم كفار؟؟
أقول لك أن هناك فرقاً شاسعاً بين من عرف الحق وكان متبعًا له ثم تركه مع علمه أنه حق، وبين من لم يعرف هذا الحق بعد، فهذا جحود عظيم ونفاق بيِّن.
والآن بعد أن تعولمنا يظهر لنا التيار الليبرالي المنفتح الداعي للحرية المطلقة في كل شي، فالمرأة تلبس ما تشاء والرجل يلبس ما يشاء، ويأتي الإنسان الذي كرمه الله وخلقه في أحسن تقويم يخرج لنا بأفكار كالزواج من البهائم والجوامد، وبعد أن تركت دينك في السابق، الآن تتخلى عن ثقافتك المتحفظة والمتأثرة بالتعاليم الإسلامية رغبة من التنويريين بحثنا على إتباع الغرب الليبرالي المتحضر بزعمهم.
ويبدأ الإنسلاخ تدريجياً، فتفقد العلم واللغة والثقافة؛ وإن فقدت هذه الأمور بعد الدين فالويل الويل لهذه الأمة، تفقد بعدها مباشرة القوة العلمية والإقتصادية والعسكرية وبهذا يحدث الخذلان والضعف ثم احتقار الذات.
هكذا تبدأ وهكذا تنتهي ...
خلال القرون الماضية تمكن الغربي من بث الرعب في نفوسنا وإقناعنا بأننا لن نتغير، وأن الفرق بيننا وبينهم مئات السنين حتى نصل إلى قوتهم وتطورهم، فبعد أن إبتعدنا عن ديننا تم غزونا من قبلهم، وبعد الغزو نهب للثروات والعلوم، ثم تنكيل وإذلال لهذه الأمة؛ ولهذا تجد أننا أمام مشكلة أخرى، أن الأجيال السابقة قد تشربت الذل والهوان والضعف، وأصبحوا يورثونه لأبنائهم وأحفادهم، وأصبح هذا هو أسلوب الحياة، فلا أحد يرغب بالتغيير، بل يرى أنه حقير لدرجة أن التغيير يستحيل أن يخرج منه أو يبدأ من فعل يديه، فتجد المسلم يمشي كما يقولون "جنب الحيط" يحاول أن يعيش بسلام دون قلق، لا يريد أن يغير بل ويحارب من يحاول التغيير لأنه سيعكر صفو عيشه، وأحيانا لا يتعلق الأمر يتعكير صفو عيشه بل يحاربه لأنه مقتنع تمام الاقتناع أن التغيير لن يحدث بهذا الشكل أو لن يحدث من هذا الشخص الواحد الداعي للتغير من باب الاحتقار له ولنفسه، فلا هو غيّر ولا ترك غيره يغيّر، وحتى إن لم يحاربه بيده، قد يحاربه باللسان، وبهذا يهلك المصلح قبل أن يصلح، وإذا هلك المصلحون هلكت الأمة.
هكذا أماتونا وأماتوا علينا ديننا، فبعد أن حلّلنا المشكلة، كيف نصل إلى حل ؟؟
الوصول إلى الحل كما ذكرنا سابقاً يتطلب فهم عميق للمشكلة، ف إن ترك الدين يشبه كثيراً تعلم لغة برمجة مع رفض كامل لقواعد كتابة البرمجة وهذا تناقض عظيم!
حيث ان الله عز وجل هو من كتب قواعد الحياة الدنيا التي نعيش بها اليوم، وهو من أسَّس لها وأتقن صنعها وصنع كل شيء! حيث أنك لا تستطيع إيجاد ثغرة واحدة بصنع الله!
كيف لك أن تترك قوانينه وتتجه لقوانينك؟
ببساطة؟ فإن الله عزوجل أتقن صنع الفتن المحيطة بنا وجعلها فتن عظيمة قد يقع الانسان بها حتى وإن بلغت علومه عِنان السماء، لا شك أن الله عز وجل غفور رحيم وهذه الصفة مخصصة فقط لمن هو مسلم مؤمن يعمل بشريعة الله عز وجل، ولكنه شديد العقاب لمن عصى وأدبر ويقرأ أوامر الله تعالى تُتلى عليه ولا يُبالي.
نعم يا صديقي إن الله عزوجل قد أخبرنا مسبقاً أنه يفتن الانسان في هذه الحياة، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الكريم: أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2).
لك أن تتخيل معي أن الخير والشر فتنة على حد سواء!!! يقول سبحانه في محكم التنزيل: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (35)، وهنا تكمن عمق المشكلة؛ بأن الانسان لم يعد يرى الخير والشر في أمور حياته، لم يعد يكترث إن كان هذا المال خير أم شر في حياته، لم يعد يرى الخير والشر في العلم ولا في الكلام، لك أن تتخيل أن الانسان ترك دين مَن صنع كل شيء حوله، وهذا أمر منطقي في الحياة؛ لأن الإنسان يولد من بطن أُمِه لا يعلم شيء ونشأ في حضارة متهالكة ومسروقة الفكر والثقافة والإرث ومنهوبة المال والقوة فماذا سوف تجد في علومه؟
إن الإنسان يقوم بإتخاذ قراره بناءاً على حسابات معينة وهذه الحسابات مبنية على معلومات يملكها الانسان وسوف أترك لك حرية التأمل بما يملك الانسان اليوم من أفكار .
هل بعد كل ما قرأت لا تجد الحل ؟؟
الحل يبدأ بعودة الناس إلى العقيدة والدين القويم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا عدت إلى هذا الهدي سيمرُّ عليك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (لا يَحقِرَنَّ أحَدُكم نَفْسَه أنْ يَرَى أمْرًا للهِ فيه مَقالٌ، فلا يَقولُ فيه، فيُقالُ له: ما منَعَكَ؟ فيقولُ: مَخافةُ النَّاسِ، فيقولُ: فإيَّايَ كُنتَ أحقَّ أنْ تَخافَ!).
إعلم أخي المسلم أن احتقار الذات والغير حرام في الإسلام، نعم هي معصيةٌ لله وللرسول فإياك أن تحتقر نفسك أو حتى تحتقر أحدًا من المسلمين فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((بحسب امرئ من الشر، أن يحقر أخاه المسلم)). رواه مسلم.
لطالما اهتم النبي صلى الله عليه وسلم بشخصيات أصحابه ودعمهم وحثهم على الرقي بذاتهم حتى أنه أعطاهم الألقاب؛ فقد لقب أبو بكر بالصديق، وعمر بالفاروق وعثمان بذي النورين، وعلي بأبو تراب، وخالد بسيف الله المسلول، وأبو عبيدة بأمين الأمة و و و و ....
لا مكان لاحتقار الذات في الإسلام، ألا يكفي قول الله تعالى: ((كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه)). بلى أخي المسلم أنت عزيز فقد كرَّمك الله وأعزك وأعطاك مكانة عظيمة بين الأمم فقد قال الله تعالى: ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَٰكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ))، هذه الآية رد على كل منافق، مخذل، مثبط ومرجف في هذا الزمان؛ بأن الله قد أعزنا وأذل الكافرين ولكن المنافقين لا يعلمون.
احتقارك لذاتك يدفعك لإرتكاب الأخطاء والإحباط والفشل وضعف الشخصية، علينا أن نعود لديننا من جديد، على الناس أن يعودوا للعقيدة الصحيحة السليمة والنقية والابتعاد عن أي شبهة من شبهات هذا الزمن قد تمسّ العقيدة بشكل أو بآخر.
إن نَعُد لديننا تَعُدْ إلينا أمجادنا ويَعُدٌ لنا ما خسرنا، فبالإسلام تنضبط حياتنا وتقوى عزائمنا مما يعود علينا بالغنى.
سيقول قائل: انظر إلى دولنا، لا يحكم فيها بشرع الله فماذا نفعل؟؟
- صحيح لا يحكم في بلادنا بشرع الله لكن ماذا عنك في بيتك؟؟ التغيير يبدأ منك أنت في بيتك **وفي شارعك بين جيرانك**، عندما تتمسك بدينك وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتوقظ من حولك من الغفلة التي هم فيها، هكذا يبدأ التغيير وهكذا يستمر.
إن أحسنت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: