







السمعة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
في هذا الجزء سوف نتطرق لمواضيع عقلية ضرورية يجب على كل طالب علم معرفتها، أو على الأقل إدراكها والوعي فيها؛ نظراً لأهميتها في التفكير والتعلم.
ثقافة "كيف أقول لا" : أن تقول " لا " للأشياء بغض النظر عن ما هي، من أهم الثقافات في هذا العصر، حيث أن أول خطوة للإنسان المستهلك كي يستطيع الخروج من دائرة الاستهلاك إلى دائرة الإنتاج يجب علينا الوقوف قليلاً وحساب كمية الاستهلاك اليومية ومقارنتها بكمية الإنتاج اليومية.
حيث أن الجيل الصاعد اليوم يعتمد على استهلاك كل شيء من حوله مقارنة بكمية قليلة جداً من الإنتاج، وهذا ليس بذنبه إنما أدوات الحياة المتاحة من حولنا في هذه الدول أجبرتنا على أن نكون مستهلكين وبقوة.
ومن الجيد أن نعتبر أي حالة إنتاج على مواقع التواصل الإجتماعي ما هي اإا حالة إنتاج وهّمية لإرضاء النفس فقط لا غير.
هذه الثقافة تُعطي الإنسان إدراك جديد بكيفية استخدام أدوات عقلية وفكرية تمكنه من قول " لا " للأشياء، مثال : إذا كنت تتصفح موقع ما ورأيت صورة خليعة "صور عارية"، كيف يمكنك أن تقول للصورة لا؟
ببساطة لا يمكننا أن نقول لا لأبسط الاشياء من حولنا، بل علينا بالبداية وضع مقدمة تقودنا إلى النتيجة المطلوبة.
المقدمة: عقل الانسان يستقبل المعلومات الصوتية والمرئية والحسّية ويقوم بتحليلها ومعالجتها وتخزينها لأول مرة، ثم إذا تعرّض لمعلومات مشابهه لها يقوم بمقارنة المعلومة الجديدة بالمعلومة القديمة وأحياناً قد لا ينتبه إلى صحّة المعلومة القديمة وهنا يقع بخطأ "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، حيث أن الإنسان إذا رأى شيئاً لأول مرة يعتقد أن هذا الشيء هو الوضع الطبيعي وإذا تكرر المشهد يقع ضمن حالة " ما تكرر قد تقرر " وهذه كارثة أخرى.
وترتبط ذاكرة الإنسان بهذه المعلومات ارتباط وثيق جداً حيث أن الطعام قد يرتبط بحدث معيّن أو بتاريخ معيّن وحتى رائحة العطر قد ترتبط بذاكرة معيَّنة أو موقف معيّن قد حصل مع الإنسان وما تراه العين وتسمعه الأذن وما يشتَمّه الأنف في نفس اللحظة ترتبط كلها بذاكرة واحدة ويمكن استرجاعها عن طريق استحضار أو تكرار جزء أو عنصر واحد من العناصر التي تم تخزينها في الذاكرة.
كان يجب أن نبدأ بهذه المقدمة كي نربط معها فيما بعد أن الإنسان يقوم بتكوين سؤال " لماذا " عند التعرض للأشياء الغير جديدة، مثال:
لنفرض أن هناك شخص لا يعلم عن الكمبيوتر شيء أبداً، وطلب أن يتعلم الكمبيوتر، ثم قمنا بإخباره بكيفية البدء بالكمبيوتر حيث أنه يلزمه الأساسيات والإنتقال من المرحلة المبتدئة إلى المرحلة المتوسطة وهكذا. . .
وهناك شخص آخر لديه الأساسيات في الكمبيوتر، ويريد أن يطوّر مهاراته فيه، ثم أخبرناه أن عليه دراسة مواضيع معينة من الأساسيات.
الشخص الأول الذي لا يعلم شيء عن الكمبيوتر سوف يقوم بـأخذ هذه النصائح والعمل بها واما الشخص الثاني فسوف يقوم بسؤال " لماذا " يجب علي أن أدرس هذه المواضيع بالذات؟
الشخص الثاني قام بعمل مقارنة منطقية بسيطة مع ما يحمله من معلومات في ذاكرته عن أساسيات الكمبيوتر ومع ما تم تقديمه له من نصائح
أما الشخص الأول فهو لا يحمل ذاكرة عن الكمبيوتر لهذا لا يمكنه أن يطرح مثل هذه الأسئلة.
وهنا يبدأ "الاستغفال"
حيث أن الناس تقوم باستغفال بعضها البعض بناءًا على جهلهم المعلومات، وكان الإسلام خير مثال ودليل على هدم كل قواعد الاستغفال حيث أن الدين جاء كامل قبل 1450 عام، ثم جاء من بعده علماء يقومون بشرح تفاصيل هذا الدين الذي تكفّل رب العالمين بحفظه للأمم حتى بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا يستطيع أي انسان تحريف نصوص القرآن الكريم أو حتى تحريف الأحاديث الصحيحة، حتى جاءت الثورة التكنولوجية.
هذه الثورة أحدثت شرخ كبير وواضح بمنطقية إيصال الدين إلى عقول البشر، وعندما نقول عقول البشر أي نعني من ولد في هذه الحقبة الزمنية التي أصبحت تعطيه المعلومات من خلال الهاتف والاستماع إلى أشخاص يتحدثون، حيث أنها كانت أقرب إلى راحة الإنسان في الوصول إلى المعلومة وقام الإنسان بالاستغناء عن القراءة والتمحيص والتدقيق والرجوع إلى مصادر الكتب وإعطاءها الوقت الكافي وتغذية العقل.
كانت هذه الثورة التكنولوجية كارثة حقيقية على عقول الشباب، حتى باتوا يقعون في شُبهات الملحدين ( أغبى البشر ) والكفّار والمذاهب جميعها عدا ( أهل السنة والجماعة )،وعندما تتمعن قليلاً بهذه الشُبهات يصيبك الضحك من هذه المهزلة الفكرية وكيف للإنسان أن يقع بها! وما تلبث قليلاً إلا أن تجد الثغرة التي وقع بها الإنسان وجعلته يتقبّل هذه الشبهه ويسير معها ويكررها حتى تتقرر وتستقر في قلبه.
طلب العلم سواء الديني أو التقني أو أي نوع آخر من العلم، لا يكون بالاستماع إلى الأشخاص ( في زمننا الحاضر ) بقدر القراءة والتمحيص بين الكتب وقراءة المجلدات وتلخيص ما يفهمه الإنسان منها والتدقيق في مراجعها . . .
وهنا دعنا نتوقف قليلاً . . .
لنفرض أنك قمت بفتح موقع تواصل اجتماعي = إظهار المحتوى دون طلبه.
وعند النظر لأي منشور في هذا الموقع عليك أن تقوم بسؤال "لماذا" : لماذا يجب علي أن انظر إليه؟ لماذا يجب علي أن أصدقه؟ لماذا يجب علي أن أتفاعل معه؟ . . . . .
ثم تذهب إلى الشطر الثاني من السؤال وهو " ما الفائدة" إذا قمت بهذا ؟ ما الفائدة إذا تفاعلت معه؟ ما الفائدة إذا قضيت وقتي هناك؟ ما الفائدة إذا خضت مع الخائضين؟ . . . . .
وبعد البحث عن الإجابات وإن كنت " صادقاً مع نفسك " سوف تنتهي بالوصول إلى ثقافة الـ " لا " سوف تقول للأشياء " لا " سوف تتعلم كيف تنهى نفسك عن ما حرّم الله عزوجل سوف تتعلم كيف تنهى النفس عن الهوى
وحتى إن كان الهوى لذيذ ومستحب إليك، َأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [النازعات:40-41] بالنظر إلى هذه الآيات الكريمة فتجد أن البداية هو الخوف من مقام الله عزوجل قبل نهي النفس عن الهوى والخوف هنا سوف يعلّمك أن تقول للأشياء " لماذا "، هل سوف يغضب الله هذا الفعل؟ "نعم" وبناءًا على القيمة المُعطاه لله عزوجل في وجدانك سوف تنتقل للمرحلة التالية وهي نهي النفس عن الهوى بأن تقول لها " لا " وما الفائدة؟ الجنة هي المأوى يا صديقي وهل لي أن أعطيك فائدة أعظم من الجنة؟ فالله عزوجل يُخاطبك بمتعة وجمال حياة لمدة " لا نهائية " من السنوات والبشر يخاطبونك بما هو أقل من 20 سنة، متاع قليل

ما الفائدة إذا قلت " لا " للأشياء بحياتي؟
هنا تستطيع القول بأنك إنسان يستطيع الاختيار بين الأشياء وبهذا الزمن أغلب الناس لا يستطيعون الاختيار إنما يتم توجيه المعلومات لهم وزرعها بعقولهم وتشويه أفكارهم رغمًا عنهم ولا يستطيعون أن يقولوا لا.
أن تقول لا خلال رحلتك في العلم وطلب العلم سوف يحفزّك على انتقاء الصفاء وترك الشوائب، سوف يعلّمك على احترام ذاتك وعدم الاستهانة بنفسك وتركها تخوض بأي وحل تأتي به.
هل أنا فاشل إن لم استطع قول لا ؟
بالطبع " لا "، يا صديقي، أنت هنا لممارسة هذه الثقافة أنت هنا كي تُذنب وتتوب إلى الله عزوجل وأن تكرر هذا الذنب وأن تكرر التوبة الصادقة " ونعم العبد إنه أوّاب " ولكن كل هذا ما هو إلا إعادة تهيئة وضبط إعدادات الدماغ لديك؛ كي تستطيع التعلم بصفاء وأن تستطيع التعلم للغاية الأسمى وأن تتعلم وأنت قلبك معلّق بالله عزوجل، فتراني تارةً أخلط ما بين التقنية والدين وأتكلم بهذا وذاك مما أتاني الله فنحن نقرأ باسم الله نقرأ لله ونعيش لله ونموت لله كما قال الخليل : قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) وأوصانا الله عزوجل أن نتخذ هذا الخليل أُسوة حسنة ونقتدي به، قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (4)
أعتذر على الإطالة في الطرح؛ ولكن أشتهي أن لا ينتهي الحديث فهذا كله عملٌ صالح أقابل به وجه ربي.
إن أصبت فهو من الله وتوفيقه وإن اخطأت فهو من نفسي والشيطان.
دمتم بخير.
ستورم
ستورم
التعديل الأخير بواسطة المشرف: