







السمعة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يتم تحديد نوعية الإنسان طبقاً لمعايير محددة, وأهم هذه المعايير هي "نمط حياة الإنسان" ، حيث أن نمط حياتك كـ إنسان يتم تحديده من خلال الممارسات اليومية والأفكار وطريقة تفاعلك مع المحيط.
ولكن لنأتي للإنسان الجديد اليوم، الإنسان الذي اعتاد على "الصخب" و "الحركة المُفرطة" , ولتبسيط الموضوع بشكل أكبر عليك أن تتخيل أن هناك إنسان يمتلك " هاتف محمول " ويقوم " يومياً " بالدخول إلى مواقع التواصل الإجتماعي ومُشاهدة مقاطع فيديو قصيرة الوقت، ويبقى يقلب بينها لمدة تزيد عن نصف ساعة على أقل تقدير.
إن طبيعة المحتوى الذي تعرض له عقل الإنسان، يمتلك حركة مُفرطة جداً, حيث أنك تكاد لا تجد أشخاص لا يقومون بالحركة داخل الفيديو وإيصال الرسائل والأفكار بحركة مُفرطة وصخب زائد مصحوباً بالأغاني والموسيقى، فما أن يبقى الإنسان على هذا الحال لفترة من الزمان ليصبح عقله يرفض النصوص الهادئة التي لا يستقبلها عقله ضمن موسيقى أو صخب أو حركة، فالنصوص جامدة وأحرفها لا تتحرك ولا تتمايل على الشاشات, وهنا يبدأ العقل بالهروب من هذا النمط الدراسي المُهم.
إن أهمية استخدام "البصر" في الدراسة تكاد تصل إلى 99% من قوة امتلاك الإنسان للمعلومة، حيث أن الإنسان يمتلك قدرات تتحرك فكرياً من خلال النظر والتأمل في الأشياء، عوضاً عن الكلام المسموع فكلنا نرغب بالمسموعيات وكلنا نرغب بالأشياء التي تضيف لحياتنا بعض البهجة كما نسميها، ولكن انتبه هذا أكبر خطر على عقل الإنسان، حتى حالنا اختلف عندما تركنا الكتب واتجهنا للكورسات المُصورة، وأنا هنا لا أطعن بها وإنما أُشير إلى الأقوى منها.
إن محاولات انقطاعك عن كل ما يلهيك وانقطاعك عن كل ما يؤرقك وانقطاعك عن ما يؤذي عقلك, لا يُعد خسارة لهذه الأشياء إنما هو الأخذ بزمام الأمور لتوجيه العقل وتوجيه الإنسان نحو الصلاح والإكتفاء من التفاهات والإستهلاك والبعد عن الله.
لا داعي لأن أخوض كثيرًا في أنماط التعلم المتعارف عليها, فالجميع يعلمها ويعمل بشتى أنواعها ولكن ما الذي نحتاج إليه اليوم وبشدة ؟
هو نمط التعلم بالربط
هذا النوع من التعلم يعمل على إنشاء سلسلة مُحكمة داخل عقل الإنسان, حيث يقوم بتخزين المعلومة بطريقة ما تجعلها مرتبطة بمعلومة أُخرى تشير إليها، هو كنظام عمل الـ Pointers في البرمجة
مثال على هذا النوع من الربط: لو رأى الإنسان كلمة "Network", ما الذي سوف يستحضره في عقله؟
كل إنسان منا سوف يستحضر الصورة المناسبة عن الشبكات, فمنا من يستحضر صورة ذهنية تحمل بعض السويتشات والراوترات وكيبلات، والبعض الآخر يستحضر شبكة افتراضية مبنية على Packetracer , ومنا من يستحضر صورة ذهنية من برنامج GNS3 , ومنا من يستحضر صورة تحمل بمحتواها البروتوكولات ولكن من هي الصورة الامثل؟ يبقى الإنسان يبحث عن أفضل تصور ذهني, وبناءًا على ماذا تم تسميته أفضل تصور ذهني؟
ربط الأفكار مبني على استحضار كل ما تعلمته عن كلمة شبكة ومحاولة الإشارة إلى كل شيء وإعطاءه رمزاً وقيمة تشغيلية للشبكة. كما الربط بين الشبكة وعملياتها التشغيلية ومتطلباتها ومحاولة استحضار الصور العقلية للبروتوكولات التي قمت بدراستها وربطها بنفس العملية التشغيلية ومحاولة استحضار أي صورة عقلية مُرتبطة بكلمة Networks
ما الفائدة من هذا كله؟
خطابات العقل دائماً ما تنحاز إلى التوضيح والتبسيط, والتوضيح والتبسيط لا يأتي إلا بمنطق التسلسل أو السببية، وغالباً ما تكون أفضل طريقة لحل المشكلة هي عملية "التتبع المنطقي للمشكلة" وهو بكل بساطة أن يقوم الإنسان بتشخيص الخطأ ويتدرج بشكل بسيط ومنطقي بحل الخطأ.
فلنفرض أن لدينا خطأ ما بشبكة ما , فالفكر الصحيح بحل هذه المشكلة هو النظر أولاً لحجم وتأثير المشكلة, ثم القيام بعزل كل شيء لم يتضرر من المشكلة مع أخذ الإعتبار ببقاء توافق التعديلات ما بين الأجهزة وغيرها، عملية العزل Isolation تقوم بغرض تجزئة المشكلة للوصول إلى المُسبب الحقيقي للخطأ.
وكذلك الأمر مع المشاريع البرمجية, فإن المبرمج يحتاج إلى تتبع الخطأ بطريقة منطقية سببية, ويبدأ بدراسة السبب الأول والسبب الثاني المربوط بالسبب الأول , ويتتابع هكذا إلى أن يبني تصوراً ذهنياً جديداً عن طريقة عمل البرنامج وتتبع الخطأ ومعالجته.
من أفضل كلمات السر التي يحتاجها الإنسان لبناء الأفكار بطريقة الربط هو السؤال الأفضل " لماذا " ؟
عندما تريد أن تقوم بكتابة سطر برمجي، اسأل نفسك لماذا ؟ لماذا قمت بكتابة هذه الأسماء للمتغيرات ؟ لماذا قمت بكتابة الكود بهذه الطريقة ؟
وكذلك الأمر عندما تقرأ أي معلومة, يمكنك السؤال بـ لماذا ؟ عندما يخبرك أحدهم أن تقوم بفتح المواقع الإلكترونية التي تمتلك حرف s بعد https فهو آمن لك، فعليك بالسؤال الأفضل وهو لماذا؟ لماذا الـ s آمنة ؟ وما هو نوع الأمان الذي نتحدث عنه ؟ ولماذا نحن بحاجة إلى الأمان على الإنترنت ؟
هنا سوف تضطر إلى الرجوع إلى أعمق النقاط التي لا حل لها لغاية اليوم, والتي تسمى بالـ core لأي نظام ومحاولة فهم آلية عمله وعلى ماذا تم بناءه وكيفية بناءه, سوف تحقق لك فهم أفضل لماذا تظهر هذه الثغرات مستقبلاً ؟
عملية الفهم وعملية التعلم مُتلازمتان ما دام الإنسان صادق.
وماذا عن طرق التعلم الإلكترونية, مثل التدوين على قوالب إلكترونية جاهزة أو ملفات PDF أو Word أو غيرها ؟
الكتابة بشتى أنواعها جميلة يا عزيزي، فهي تقوم بتدريب العقل على إنتاج الكلام وربطه ودمج الأ,فكار وهو المطلوب منا في هذه المرحلة، الإنتاج شيء رائع جداً وهو يحقق استقلالية الإنسان واستقلالية الجماعة. لأن الإنسان يتعامل يومياً حسب مصالحه التي يراها مناسبة. إن لم يكن الإنسان مُنتجاً فهو مُستهلكاً بالضرورة! وعليه فإن الإنتاج يرفع من قدر الإنسان وقيمته مع ذاته على أصعدة كثيرة.
أما الكتابة الإلكترونية فلا بأس بها ولكن يجب على الإنسان الرجوع إلى الورقة والقلم بين الحين والآخر.
أنا لا أستطيع أن أقرأ ربع صفحة من كتاب وأشعر أن نفسي لا تطيق ذلك, ما الحل؟
الإجابة بسيطة.
- أولًا: عليك التخلي عن كافة أنواع المُشتتات بحياتك من هاتف إلى تلفزيون إلى أي شيء آخر.
- ثانيًا: عليك أن تخبر عقلك وتدربه على إن النصوص في الكتب جامدة ولا يوجد صخب موسيقي عند قراءة صفحة من الكتاب, بل على العقل أن يربط النصوص مع بعضها البعض ويحاول أن ينتج صوراً ذهنية بناءاً على فهم النصوص من قبل القارئ.
- ثالثًا: عليك أن تجبر نفسك أن تمضي نصف ساعه كاملة بقراءة كتاب، حيث وعلى الارجح سوف تقرأ أكثر من صفحة ولكن ليست بهدوء.
كي تستطيع أن تصل إلى هدوء طيّب وجميل, فعليك اخبار نفسك أن هذه الأرض زائلة وأن كل الأحداث التي نراها ما هي إلا قدر الله الذي لا هروب منه وأن عملية متابعة الأحداث ومتابعة كل شيء من حولي لن يغير على الأحداث, إنما هو مضيعة لوقتي وعليك التفرقة بين مشاهدة الأحداث والأخبار طوال الوقت وهذا ما نتكلم عنه وبين مٌطالعة الأخبار يومياً وإبقاء الإنسان على معرفة بالاحداث.
أخبر النفس أن الله عزوجل يتحكم بكل شيء, ويمكر بالكفار وأنه خير الماكرين, وعليك المضي قُدماً بتهدئة النفس وإعطاءها مساحة آمنة تستطيع التعلم من خلالها.
أنا لا أستطيع القراءة لأكثر من أسبوع, ما الحل ؟
إن متابعة القراءة لأكثر من أسبوع هذا يعني أن الكتاب الذي بين يديك يحوي معلومات كثيرة, وعليه فإن عليك التعلم بالتجزئة والربط, فتقوم كل أسبوع بتجزئة الكتاب بما يناسبك ويناسب وقتك بالتعلم والممارسة, وما بين ربط معلومات الكتاب وتلخيصها كي تستطيع تخزينها بطريقة جيدة.
أنا عندما أقرأ أشعر بتشتت بالأفكار, ما الحل ؟
التشتت غالباً هو وباء مُنتشر بين فئة الناس التي تتعرض لمحتوى عشوائي غير مرتبط ببعضه البعض سواء على التلفزيون أو على السوشال ميديا، ولتوضيح الفكرة أكثر فعليك الإمساك بقلم وورقة والذهاب إلى منصة فيسبوك أو تيك توك أو ريلز الإنستغرام ثم قم بالخطوات التالية:
1- قم بكتابة محتوى كل فيديو يظهر لك ثم قم بالتقليب إلى الأسفل.
2- قم بكتابة محتوى الفيديو الثاني ثم انزل للأسفل
3- قم بكتابة محتوى الفيديو الثالث ثم انزل للأسفل
4- قم بكتابة محتوى الفيديو الرابع ثم انزل للأسفل
5- قم بكتابة محتوى الفيديو الخامس
وهكذا إلى أن تصل إلى 10 أو 20 فيديو ثم قم بدمج هذا المحتوى إلى نص واحد واقرأها كقصة.
سوف تجد أنك تقوم بقراءة أول فيديو الذي كان يتكلم مثلاً عن الطعام ثم تنتقل بشكل مفاجئ بدون أي ربط منطقي إلى السيارات ثم تقوم بالإنتقال إلى الملابس ثم الحروب ثم ثم ثم . . .
وهكذا تقوم بتغذية عقلك بشكل يومي مما يجعله يعتاد على هذا النوع من تلقي المعلومات ومما يُضعفه ويشتته عندما يتعامل مع سرد معلومات متوافق ومترابط.
الأُمة اليوم لا تحتاج إلى مُنافقين ساعين خلف الحياة الدنيا وزينتها, إنما هي بحاجة إلى رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. فهي دعوة جماعية كي نترك التفاهات والأدوات التي تجعل منا مُستهلكين, وأن نتجه إلى الكتب والعلم والمحابر والأقلام, ولنقرأ باسم الله.
إن أصبت فهو من الله وإن أخطأت فهو من نفسي والشيطان
دعواتكم.
دمتم بخير.
دعواتكم.
دمتم بخير.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: