مضى على الشبكة و يوم من العطاء.

لِإِيلَٰفِ قُرَيشٍ

Sakura02Sakura02 is verified member.

الرقابة و التنظيم
.:: الرقابة والتنظيم ::.
.:: طاقم المشرفين ::.

السمعة:

سلام الله عليكم ورحمته وبركاته

سورة قريش
من قصار السور سهلة الحفظ والنطق، ترانا كثيراً ما نقرأها بصلاتنا، ومن السور التي نبدأ بتحفيظ أبنائنا إياها، ولكن هل منا من أحد استوقفته آياتها بحق؟ وعلم القصد منها؟ ونظر لنفسه بعد فهمها من زاوية أخرى؟ وعلمنا لماذا يريد منا الله أن ننظر لإيلاف قريش على أنه أمر عجيب؟
سورة قريش تذكرنا بقضية غاية في الأهمية وهي "خطورة أُلف النعمة".

الأُلف: هو التعود على الشيء وعدم الإحساس بوجوده وعدم أداء حقه, فمثلاً نحن نألف وجود الليل والنهار، ولا يمكننا تخيل حياتنا دون أحدهما، ولهذا ربما لا تجدنا نفكر بكيفية العيش دون ليل أو دون نهار، أي أننا أصبحنا لا نحس ولا نشعر بوجود حياة دونهما.

لِإِيلَٰفِ قُرَيۡشٍ (1) إِۦلَٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ (2)
يدعونا الله إلى النظر في عجيب أمر قريش في تعودهم على استقامة مصالحهم ويُسر رحلتيهم بالشتاء والصيف سعياً وراء الرزق، وجلباً لمعايشهم، وترويجاً لتجارتهم دون النظر لواهب هذه النعم ومديمها.
فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَٰذَا ٱلۡبَيۡتِ (3) ٱلَّذِيٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٖ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ (4)
فليعبدوا الله، الذي كفل لهم الأمن فجعل نفوسهم تألف الرحلة، وتنال من ورائها ما تنال، فأطعمهم فلم يجوعوا وآمنهم فلم يخافوا.
والرحلة بطبيعة الحال كثيرة المخاطر، فما من شيءٍ يمنع أن تهزل أو تموت ركابهم أو ينفذ قوتهم أو يغزوهم عدو، فكان الأصل بحسب ما هم فيه من ضعف، وبحسب حالة البيئة، أن يكونوا في خوف وجوع، فآمنهم من هذا كله.
ولكن قريش تأبى وتصل لمرحلة التعود وألفة التيسير في رحالهم وكأنها أمور عادية دون النظر لمعطي هذه النعم.


وعند النظر للأمر من زاوية مختلفة قليلاً، نرى بأن الله لم يخلقنا جميعاً بنفس المستوى، فمنا الأعمى والبصير، ومنا الأعرج والصحيح، ومنا القصير والطويل، ومنا الغني والفقير، وكأن الله يريد أن يرينا كيف يكون العيش بالنعم وكيف يكون بدونها لنشكر الله ألف ألف مرة على كل نعمة أنعمها علينا.

وسبحانه ما أعظمه، خلق كلاً منا بنقص معين لأن الكمال له وحده سبحانه جل في علاه، ولسبب آخر وهو رؤية أثر النعمة ومدى صعوبة العيش بدونها ليذكرنا بشكره عليها، فلم نعلم ما السعادة لولا بالحزن، ولم نعلم ما الطمأنينة لولا الضيق.


فلا تقع بفتنة الأُلف والتعود وكأننا نملك هذه النعم، فالله قادر على سلبها منا بأجزاء من الثانية، بل أقل من ذلك، فلا نتعامل مع النعم كأنها ملك، فالملك لله وحده, كلنا وما أعطينا من نعم لله وحده
قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

يقول ابن القيم رحمه الله: "ما على العبد أضر من تملك العادات له، وما عارض الكفارُ الرسلَ إلا بالعادات المستمرة الموروثة عن الأسلاف. فمن لم يوطن نفسه على مفارقتها والخروج عنها والاستعداد للمطلوب منه، فهو مقطوع، وعن فلاحه وفوزه ممنوع".


أيضاً لنحذر أشد الحذر من النعم المشتركة بيننا:
كنعمة السماء والجبال:
"أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (17) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (18) وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (19) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (20)
ونعمة الخلق:
وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ
ونعمة الفُلك:
وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
وغيرها الكثير ...

هذه النعم بالتحديد لا نرى أحداً لم ينعم الله عليه بها، لذا لا نستطيع تصور أو تخيل شكل الحياة بدونها، ولكن بلحظة تهدم الجبال وتقع السماء ويذهب عقلنا ويختل توازن الكون، فمثلاً هل تستطيع تخيل أن يتوقف دوران الأرض حول نفسها وتبدأ بالدوران مع الاقتراب من كوكب الزهرة؟ أعتقد أنه حتى مجرد تخيل الأمر خارج نطاق قدرتنا على التخيل فما بالكم بالتفكير بحل لذلك ؟!

الآن بعد التمعن بحق بكمية النعم الهائلة التي نعيش بها نصبح نرى بأن شكر الله فقط قليل جداً عليها، ولكن من رحمة الله بنا وفضله علينا أنه حتى لمجرد شكرنا على النعم يزيدنا بنعم أكثر، سبحانك ربي ما أرحمك بنا!
لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ
ولا ننسى قول الله في ذات الآية:
وَإِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
فالكفر بالنعم أي التقليل من شأنها وعدم الشعور بوجودها يعرضنا لزوالها ذات يوم، وعندها سنشعر بقيمة وجودها.


قال علي رضي الله عنه: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر متعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله عز وجل حتى ينقطع الشكر من العبد" فلا يكن الإنسان لربه كنوداً، أي يعدد المصائب ولا يرى النعم، فلا يحصد من ذلك إلا زوال النعم.

اما لكيفية الشكر فلم أجد افضل من قول ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين وهو يتكلم عن حقيقة الشكر وكيف يكون العبد شاكرا:
"وكذلك حقيقته في العبودية وهو ظهور أثر نعمة الله على لسان عبده: ثناء واعترافا وعلى قلبه: شهودا ومحبة وعلى جوارحه: انقيادا وطاعة، والشكر مبني على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبه له، واعترافه بنعمته، وثناؤه عليه بها، وأن لا يستعملها فيما يكره. فهذه الخمس هي أساس الشكر وبناؤه عليها، فمتى عدم منها واحدة اختل من قواعد الشكر قاعدة، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور"

وأعظم ما يشكر العبد به ربه عز وجل هو أداء الفرائض كما روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ".

ثم بعد الفرائض التشبث بما يستطيع من النوافل، ومن أعظمها وأسهلها وأخفها: ذكر الله تعالى وصلاة الضحى فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ قَالَ: "لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ".
وعن أبي ذَرٍّ الغِفَارِي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنِ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنَ الضُّحَى"ز


صلاة الضحى: هي الصلاة التي سَنَّها سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم في وقت الضحى عند ارتفاع النهار، وجَعَلها صلى الله عليه وآله وسلم مجزئةً عن جميع الصدقات المطلوبة على جميع سُلَامِيات بدن الإنسان -أي: عِظَامه- في كلِّ يومٍ شكرًا لله تعالى على نعمته وفضله.

ختاماً، فلنتأمل في نعم الله علينا، ولنلهج بالشكر في كل لحظة، فإن في دوام الشكر سر دوام النعم، وإن في غفلتنا عنها أعظم الخسران.

جعلنا الله من الشاكرين الحامدين في السراء والضراء، والحمد لله على نعمه التي لا تحصى ولا تعد.
لا تنسونا من صالح دعائكم


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 
التعديل الأخير:

آخر المشاركات

فانوس

رمضان
عودة
أعلى