







السمعة:
- إنضم26 يونيو 2023
- المشاركات 1,690
- الحلول 31
- مستوى التفاعل 2,910
- النقاط 113
السلام عليكم جميعاً
موضوعنا اليوم عن أحد أعلام الإسلام في العصر العباسي، عرف بعلمه الغزير، و ورعه، وشجاعته، وكرمه. كان عالمًا موسوعيًا جمع بين الحديث والفقه، والجهاد، والزهد، والشعر. موضوعنا اليوم عن العالم المجاهد عبدالله بن المبارك
كبداية هو عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي التميمي ولد سنة 118 هجري موطنه مدينه مرو و هي من مدن خراسان
و خراسان حاليًا تقع في شرق ايران و شمال غرب افغانستان و في اوزبكستان و تركمانستان
وموطنه (لعبدالله بن المبارك) في الجزء الذي يقع في تركمانستان
نشأ عبدالله بن المبارك في أسرة بسيطة متواضعة مادياً و لكنها كانت على أعلى مراتب الأخلاق, فقد كان أبوه حارس لبساتين أحد الأثرياء و كان أيضاً (والده) رجل يعمل بجهد و أمين في عمله لدرجة أنه طلب منه صاحب البستان عنب ليأكله فقام بإحضار واحدة له فكانت حامضة ثم أحضر أخرى كانت حامضة
فقال له صاحب البساتين من باب التوبيخ كم لك في هذا البستان و لا تعرف أين العنب الحامض من الحلو ؟
فأخبره والد عبدالله بكل بساطة أنه كيف من المفروض أن يعرف و هو لم يذق شيئاً منه و قال:"إنك لَم تسمح لي بالتناول منه .. فكيف آكل ما ليس لي؟"
و هذه رسالة لنفسي قبلكم أنه في عملك حتى و إن كنت مديراً و صاحب منصب فيه عندما تتعامل مع أي أمانة، سواء كانت طعاماً أو مالاً أو موارد تخص العمل مهما كانت. فتذكر أننا مسلمون، ومن واجبنا أن نعكس الصورة الحقيقية للإسلام في الصدق والأمانة.
لا تأكل طعامًا لا يحق لك، ولا تستخدم موارد العمل أو ممتلكات الشركة فيما لا يخدم الأمانة الموكلة إليك. فالأمانة مسؤولية، واحترامها يعكس أخلاقك وقيمك كمسلم. فبالطبع أذن له صاحب البستان بعدها.
ربما تظن أن عبدالله بحكم عمل والده لم يكن من أصحاب الأموال بل أريد أن أخبرك أنه العكس هو الصحيح. فكان تاجراً ناجحاً و الأهم كان من المتصدقين على الفقراء و المساكين و من المنفقين على المجاهدين في سبيل الله. فالإسلام ضد أن تكون من الفقراء بل "المؤمن القوي خير و أحب إلى الله من المؤمن الضعيف" و المقصود بالقوة بكل أنواعها العضلية, العلمية, المالية. و لكنه أيضاً يدعوك لللصبر على قضاء الله إن ابتلاك بالفقر.
فمال عبدالله ابن المبارك ساعده على الترحال و طلب العلم فتوجه إلى كل مكان كان معروفاً بانتشار العلم و العلماء به
فقد قال عبدالرحمن بن أبي حاتم و شهد له أحمد بن حنبل بذلك «سمعت أبي يقول: كان ابن المبارك ربع الدنيا بالرحلة في طلب الحديث، لم يدع اليمن ولا مصر ولا الشام ولا الجزيرة والبصرة ولا الكوفة»
و يقال أنه بلغ به ولعه بكتابة العلم مبلغاً جعل الناس يعجبون منه، فقد قيل له مرة: كم تكتب؟ قال: لعل الكلمة التي أنتفع بها لم أكتبها بعد. وعابه قومه على كثرة طلبه للحديث فقالوا: إلى متى تسمع؟ فقال إلى الممات. وعمل على جمع أربعين حديثاً وذلك تطبيقاً للحديث النبوي القائل: (من حفظ على أمتي أربعين حديثاً من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة في زمرة الفقهاء والعلماء) نسأل الله أن يجمعنا به على خير.
و لكن يجدر الإشارة بأن هذا الحديث ضعيف و الأحاديث الضعيفة لا يؤخذ بها إلا في فضائل الأعمال. فهنا نقول بأن حفظ الأحاديث له أجر عظيم و لكن ليس من حفظ 40 منها بعثه الله يوم القيامة مع الفقهاء و العلماء.
و قال محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: سمعت أبي قال: كان ابن المبارك إذا كان وقت الحج اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، وفيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق ويُقفل عليها، ثم يكتري له ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال يُنفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مُروءة، حتى يصلوا إلى مدينة الرسول، فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من طُرفها ؟ فيقول: كذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم إلى مكة فإذا قضوا حجهم قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالُك أن تشتري لهم من متاع مكة ؟ فيقول: كذا وكذا، فيشتري لهم، ثم يُخرجهم من مكة، فلا يزال يُنفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسرّوا دعا بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل رجل منهم صُرته عليها اسمه.
ومن أثار العلم على شخصيته:
1- الورع والخشية:
كان القاسم بن محمد يكثر السفر مع ابن المبارك، فلم يكن يلحظ زيادة في عبادته على غيره فيعجب من ذلك، وكثيراً ما تحدّثه نفسه: بما فضل هذا الرجل علينا حتى نال هذه الشهرة بين الناس؟ فبينما هم في ليلة على عشاء انطفأ السراج، فقام بعضهم وأخذ السراج وخرج به يستصبح، وحينما عادوا نظر القاسم بن محمد إلى عبد الله بن مبارك فرأى الدموع قد بلّلت وجهه ولحيته، فقال في نفسه: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة.. تذكّر القيامة!.
2- نشر العلم.
3- الحكمة في القول والفعل.
4- الزهد مع الغنى.
5- الفقه في الإنفاق.
ربما يستغرب ظان بأننا ذكرنا في بداية مقالنا أنه مجاهد و كل كلامنا عنه كان بالعلم والإنفاق, فمن القصص عنه :
كان القاسم بن محمد يكثر السفر مع ابن المبارك، فلم يكن يلحظ زيادة في عبادته على غيره فيعجب من ذلك، وكثيراً ما تحدّثه نفسه: بما فضل هذا الرجل علينا حتى نال هذه الشهرة بين الناس؟ فبينما هم في ليلة على عشاء انطفأ السراج، فقام بعضهم وأخذ السراج وخرج به يستصبح، وحينما عادوا نظر القاسم بن محمد إلى عبد الله بن مبارك فرأى الدموع قد بلّلت وجهه ولحيته، فقال في نفسه: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة.. تذكّر القيامة!.
2- نشر العلم.
3- الحكمة في القول والفعل.
4- الزهد مع الغنى.
5- الفقه في الإنفاق.
ربما يستغرب ظان بأننا ذكرنا في بداية مقالنا أنه مجاهد و كل كلامنا عنه كان بالعلم والإنفاق, فمن القصص عنه :
خرجَ المسلمون يوماً لقتال الروم ، فلما التقى الجيشان خرجَ فارس من جيش الروم يطلب المبارزة، فخرج له رجل مُلثَّم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله !
ثم خرج فارس آخر من جيش الروم يطلب المبارزة ، فخرج إليه نفس الرجل الملثم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله !
ثم خرج فارس ثالث من جيش الروم يطلب المبارزة ، فخرج إليه نفس الرجل الملثم من جيش المسلمين فبارزه حتى قتله !
فاجتمع عليه المسلمون يريدون أن يعرفوا من هو ؟!
وهو يمسك بلثامه خشية أن يعرفه أحد.
فقام رجل يُقال له أبو عمر ، ونزعَ اللثام عن وجهه فإذا هو عبد الله بن المبارك !
فقال لأبي عمر : ما حسبتكَ ممن يُشنِّعْ علينا يا أبا عمر !
أراد عبد الله بن المبارك أن يكون جهاده خبيئة بينه وبين الله تعالى ، لا يدري بها أحد من خلقه ، واعتبرَ أن كشف وجهه من قبل أبي عمر فضيحة له !
إلى هذا الحد بلغَ به الإخلاص !!
أراد أن يبقى جهاده في سبيل الله سراً بينه وبين الله مخافة أن يرى الناس حسن صنيعه فيثنوا عليه !
الخبيئة الصالحة : هي عبادة تفعلها ولا تُطلع عليها أحداً من الخلق تُبقيها لكَ ذُخراً إلى يوم تُبلى فيه السرائر .
قال الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: «من استطاع منكم أن يكون له خبئ من عمل صالح فليفعل».
اكثروا من الخبايا فإنَّ الله يُحبها !
قال رسول ﷺ أن الله يحب العبد التقي الغني الخفي.
[تاريخ بغداد / الخطيب البغدادي ٤٠٠/١١]
[صحيح مسلم ١٠٥١،٢٩٦٤]
[الزهد لهناد٢/٤٤٤ ]
و هناك الكثير من الأقوال و القصص عنه و منها أنه كان شاعراً يستخدم شعره في الوعظ و النصح و الزهد, و هاي هي أشهر أبياته على لسان القائد العسكري لكتائب عز الدين القسام أبو عبيدة
تكملة الشعر
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك فى العبادة تلعبُ
من كان يخضب خده بدموعه ... فنحورنا بدماءنا تتخضبُ
أو كان يتعب خيله فى باطلٍ ... فخيولنا يوم الصبيحة تتعبُ
ريح العبير لكم ونحنُ عبيرنا... وهج السنابك والغبار الأطيبُ
ولقد آتانا من فعال نبينا ... قول صحيح صادق لا يكذبُ
لا يستوى غبار خيل الله ... فى أنف امرئ ودخان نارٍ تلهب
وهذا كتاب الله ينطق بيننا ... ليس الشهيد بميت لا يكذبُ
و يذكر أن له عدد من الكتب و أشهرها "الزهد والرقائق كتاب الجهاد"
و أنه توفي في مدينة هيت بمحافظة الانبار بغرب العراق سنة 181 هجرية و اختلفت الأقوال على مكان الوفاة فمنهم من قال أنه توفي في التكرور
و في الختام شخصياً صدمت من كمية القصص المتداولة عنه فرأيت فيه الرجل الذي بدأ من عائلة متواضعة بالدنيا و لكنها على درجة عالية من الأخلاق والأمانة. ومن هذا النموذج. فقد كان تاجراً غنياً منفقاً لماله على الفقراء و المجاهدين و عالماً كثير السفر في طلب العلم و مجاهداً مقاتلاً قوياً
فهذا النموذج من المسلمين يحارب ابليس و من يوجه سهامه للإسلام لأنه يرد على من يقول أن الإسلام يدعو للفقر أو الجهل أو للإعتكاف و البكاء طوال اليوم في زوايا المساجد.
ديننا دينٌ عملي .. ديننا دين أمة و حضارة و تطور .. و ليس كما يُسَوِّق له الإعلام بأنه دين ضعفاء بكّائين في زوايا المساجد
ما رأيكم بهذه الشخصية الفريدة التي وُلدت في عهد الدولة الأموية و انتشر اسمها و صيتها في عهد الدولة العباسية إلى أن صارت أحد أعلامها البارزة
إن أصبت فهو من الله و إن اخطأت فهو من نفسي و الشيطان.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: