مضى على الشبكة و يوم من العطاء.

الحديثُ الثاني | الأربعون النووية

لينا عقللينا عقل is verified member.

|| مشرف القسم العام ||
.:: طاقم المشرفين ::.

السمعة:

بسم الله الرحمن الرحيم
عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَيْضًا قَالَ :
بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمِ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثَّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وقال : يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإِسْلامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : الإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ ، وتُونِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، قَالَ : صَدَقْتَ ، فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ . قَالَ : فأخبرني عَنِ الإِيمَانِ ، قَالَ « أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وكتبه ورسله واليَوْمِ الآخِرِ ، وَتُؤْمِنَ بِالقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ ، قال : صَدَقْتَ ، قال : فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ ، قال : أن تعْبُدَ الله كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ، قَالَ :
فأخبرني عَنِ السَّاعَةِ ، قَالَ : مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قال : فأخبرني عَنْ أَمَارَاتِهَا ، قَالَ « أَنْ تَلِدَ الْأَمَّةُ رَبَّتَهَا وأن تَرَى الحُفَاةَ العُرَاةَ العَالَةَ رِعاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ » ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا ثُمَّ قَالَ : يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَنتاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دينكم .

رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

هذا حديث عظيم ، قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة ؛ وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ، ومتشعبة منه ، لِمَا تضمَّنه من جمعه علم السنة ، فهو كالأم للسُّنة ، كما سُمِّيت الفاتحة : أم القرآن ، لما تضمَّنته من جمعها معاني القرآن، وفيه دليل على تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك ، فإن جبريل أتى مُعلِّما للناس بحاله ومقاله .

وقوله ( لا يُرى عليه أثر السفر)
المشهور ضم الياء من (يرى) مبنيا لما لم يُسمَّ فاعله . ورواه بعضهم بالنون المفتوحة ، وكلاهما صحيح

وقوله ( ووضع كفيه على فخذيه ، وقال: يا محمد)
هكذا هو المشهور الصحيح ، ورواه النسائى بمعناه وقال ( فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ) فارتفع الاحتمال الذي في لفظ كتاب مسلم ، فإنه قال فيه (فوضع كفيه على فخذيه) وهو محتمل . وقد استفيد من هذا الحديث: أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغةً وشرعًا، وهذا هو الأصل في الأسماء المختلفة ، وقد يتوسع فيهما الشرع ، فيطلق أحدهما على الآخر على سبيل التجوّز .

قوله ( فعجبنا له يسأله ويصدقه )
إنما تعجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعرف إلا من جهته ، وليس هذا السائل من عُرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ، ثم هو قد سأل سؤال عارف محقق مصدق ، فتعجبوا من ذلك .

قوله (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه)
الإيمان بالله: هو التصديق بأنه سبحانه موجود موصوف بصفات الجلال والكمال ، منزه عن صفات النقص وأنه واحدٌ حقٌّ صمدٌ فردٌ خالقُ جميع المخلوقات ، متصرف فيما يشاء، يفعل في ملكه ما يريد.

والإيمان بالملائكة: هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .

والإيمان برسل الله: هو أنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى، أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم ، وأنهم بلَّغوا عن الله رسالاته ، وبينوا للمكلَّفين ما أمرهم الله به ؛ وأنه يجب احترامهم وأن لا يُفرَّق بين أحد منهم .

والإيمان باليوم الآخر : هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ، وأنهما دار ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين ، إلى غير ذلك بما صح من النقل.

والإيمان بالقدر: هو التصديق بما تقدم ذكره . وحاصله ما دل عليه قوله تعالى
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾

وقوله﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ونحو ذلك . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف ومذهب السلف وأئمة الخلف : أن من صدَّق بهذه الأمور تصديقًا جازمًا لاريب فيه ولا تردد : كان مؤمنًا حقًا.
سواء كان ذلك عن براهين قاطعة أو عن اعتقادات جازمة .



وقوله في الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه ... إلخ) حاصله راجع إلى إتقان العبادات ، ومراعاة حقوق الله ومراقبته ، واستحضار عظمته وجلالته حال العبادات .

قوله ( فأخبرني عن أماراتها )
بفتح الهمزة ، والإمارة : العلامة ، و (الأمة) ههنا الجارية المستولدة ، و (ربتها) سيدتها ، وجاء في رواية بعلها، وقد يروى أن أعرابيًا سُئل عن هذه الناقة ، قال : أنا بعلها ويسمى الزوج : بعلًا ، وهو في الحديث (ربتها) بالتأنيث ، واختلف في قوله (أن تلد الأمة ربتها) فقيل : المراد به أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسرى فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه . وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين على المشركين وكثرة الفتوح والنسرى ، وقيل : معناه أن تفسد أحوال الناس ، حتى يبيع السادة أمهات أولادهم ، ويكثر ترتدهن في أيدى المشترين ، فربما اشتراها ولدها ولا يشعر بذلك فعلى هذا الذي يكون من أشراط الساعة : غلبة الجهل بتحريم بيعهن . وقيل معناه : أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أَمَته : من الإهانة والسب ، و (العالة) بتخفيف اللام : جمع عائل : وهو الفقير .

وفي الحديث كرامة ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده وقد رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما وضعه في هذا التراب ) ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة : أى لم يشيد بناءه ولا طوله ولا تأنق فيه.

وقوله (رعاء الشاء)
إنما خص رعاء الشاء بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية ، معناه أنهم مع ضعفهم وبعدهم عن أسباب ذلك بخلاف أهل الإبل فإنهم فى الغالب ليسوا عالة ولا فقراء،

وقوله ( فلبثت مليا)
قد روى بالتاء ، يعنى لبث عمر رضى الله عنه ، وروى (فلبث) بغير تاء يعنى : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه ، وكلاهما صحيح المعنى، وقوله ( ملًّيا) هو بتشديد الياء، أى زمانًا كثيرًا وكان ذلك ثلاثًا ، هكذا جاء مبينا في رواية أبي داود وغيره .

وقوله (أتاكم يعلمكم دينكم)
أي قواعد دينكم أو كليات دينكم : قاله الشيخ محي الدين في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم :
أهم ما يذكر في هذا الحديث بيان الإسلام والإيمان والإحسان،

ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله تعالى ، وذكر في بيان الإسلام والإيمان كلامًا طويلًا، وحكى فيه أقوال جماعة من العلماء . منها ما حكاه عن الإمام أبي الحسين المعروف بابن بطال المالكي أنه قال : مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها : أن الإيمان قول وعمل يزيد و ينقص ، بدليل قوله تعالى
(لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ) ونحوها من الآيات . قال بعض العلماء : نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهى الأعمال ونقصانها ، قالوا : وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وبين أصل وضعه في اللغة ، وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهراً فالأظهر والله أعلم أن التصديق يزيد بكثرة النظر لظاهر الأدلة ، ولهذا يكون إيمان المصدقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا يغرنهم السفه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة منيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال فأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك ، وهذا لا يمكن إنكاره ولا يشك في نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا يساويه أحد تصديق الناس ، ولهذا قال البخاري في صحيحه. قال ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل عليهم السلام .

وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله أكثر من أن تحصر . قال الله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي صلاتكم ، وحُكي عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح في قوله صلى الله عليه وسلم ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة ... إلخ ) ، ثم فسر الإيمان بقوله ( أن تؤمن بالله تعالى وملائكته ... إلخ) ، قال رحمه الله : هذا بيان أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، وبيان أصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر ، وحكم الإسلام فى الظاهر ثبت فى الشهادتين ، وإنما أضاف إليها الصلاة والزكاة والصوم والحج لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها ، وبقيامه بها يصح استسلامه ، ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فُسر به الإسلام فى هذا الحديث وسائر الطاعات،لكونها ثمرات التصديق الباطن الذى هو أصل الإيمان.

ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة ؛ لأن اسم الشيء مطلقًا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرًا إلا بنية ، وكذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام. قال : خرج بما ذكرناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان ، وأن كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنًا ، وقال : فهذا التحقيق واف بالتوفيق ، ونصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون . وما حققناه من ذلك موافق لمذهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم، والله أعلم.

والحمدلله رب العالمين.
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
بسم الله الرحمن الرحيم



هذا حديث عظيم ، قد اشتمل على جميع وظائف الأعمال الظاهرة والباطنة ؛ وعلوم الشريعة كلها راجعة إليه ، ومتشعبة منه ، لِمَا تضمَّنه من جمعه علم السنة ، فهو كالأم للسُّنة ، كما سُمِّيت الفاتحة : أم القرآن ، لما تضمَّنته من جمعها معاني القرآن، وفيه دليل على تحسين الثياب والهيئة والنظافة عند الدخول على العلماء والفضلاء والملوك ، فإن جبريل أتى مُعلِّما للناس بحاله ومقاله .

وقوله ( لا يُرى عليه أثر السفر)
المشهور ضم الياء من (يرى) مبنيا لما لم يُسمَّ فاعله . ورواه بعضهم بالنون المفتوحة ، وكلاهما صحيح

وقوله ( ووضع كفيه على فخذيه ، وقال: يا محمد)
هكذا هو المشهور الصحيح ، ورواه النسائى بمعناه وقال ( فوضع يديه على ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ) فارتفع الاحتمال الذي في لفظ كتاب مسلم ، فإنه قال فيه (فوضع كفيه على فخذيه) وهو محتمل . وقد استفيد من هذا الحديث: أن الإسلام والإيمان حقيقتان متباينتان لغةً وشرعًا، وهذا هو الأصل في الأسماء المختلفة ، وقد يتوسع فيهما الشرع ، فيطلق أحدهما على الآخر على سبيل التجوّز .

قوله ( فعجبنا له يسأله ويصدقه )
إنما تعجبوا من ذلك لأن ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم لا يُعرف إلا من جهته ، وليس هذا السائل من عُرف بلقاء النبي صلى الله عليه وسلم ولا بالسماع منه ، ثم هو قد سأل سؤال عارف محقق مصدق ، فتعجبوا من ذلك .

قوله (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه)
الإيمان بالله: هو التصديق بأنه سبحانه موجود موصوف بصفات الجلال والكمال ، منزه عن صفات النقص وأنه واحدٌ حقٌّ صمدٌ فردٌ خالقُ جميع المخلوقات ، متصرف فيما يشاء، يفعل في ملكه ما يريد.

والإيمان بالملائكة: هو التصديق بأنهم عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون .

والإيمان برسل الله: هو أنهم صادقون فيما أخبروا به عن الله تعالى، أيدهم بالمعجزات الدالة على صدقهم ، وأنهم بلَّغوا عن الله رسالاته ، وبينوا للمكلَّفين ما أمرهم الله به ؛ وأنه يجب احترامهم وأن لا يُفرَّق بين أحد منهم .

والإيمان باليوم الآخر : هو التصديق بيوم القيامة وما اشتمل عليه من الإعادة بعد الموت والحشر والنشر والحساب والميزان والصراط والجنة والنار ، وأنهما دار ثوابه وجزائه للمحسنين والمسيئين ، إلى غير ذلك بما صح من النقل.

والإيمان بالقدر: هو التصديق بما تقدم ذكره . وحاصله ما دل عليه قوله تعالى
﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾

وقوله﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ ونحو ذلك . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رُفعت الأقلام وجفَّت الصحف ومذهب السلف وأئمة الخلف : أن من صدَّق بهذه الأمور تصديقًا جازمًا لاريب فيه ولا تردد : كان مؤمنًا حقًا.
سواء كان ذلك عن براهين قاطعة أو عن اعتقادات جازمة .



وقوله في الإحسان (أن تعبد الله كأنك تراه ... إلخ) حاصله راجع إلى إتقان العبادات ، ومراعاة حقوق الله ومراقبته ، واستحضار عظمته وجلالته حال العبادات .

قوله ( فأخبرني عن أماراتها )
بفتح الهمزة ، والإمارة : العلامة ، و (الأمة) ههنا الجارية المستولدة ، و (ربتها) سيدتها ، وجاء في رواية بعلها، وقد يروى أن أعرابيًا سُئل عن هذه الناقة ، قال : أنا بعلها ويسمى الزوج : بعلًا ، وهو في الحديث (ربتها) بالتأنيث ، واختلف في قوله (أن تلد الأمة ربتها) فقيل : المراد به أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسرى فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه . وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين على المشركين وكثرة الفتوح والنسرى ، وقيل : معناه أن تفسد أحوال الناس ، حتى يبيع السادة أمهات أولادهم ، ويكثر ترتدهن في أيدى المشترين ، فربما اشتراها ولدها ولا يشعر بذلك فعلى هذا الذي يكون من أشراط الساعة : غلبة الجهل بتحريم بيعهن . وقيل معناه : أن يكثر العقوق في الأولاد، فيعامل الولد أمه معاملة السيد أَمَته : من الإهانة والسب ، و (العالة) بتخفيف اللام : جمع عائل : وهو الفقير .

وفي الحديث كرامة ما لا تدعو الحاجة إليه من تطويل البناء وتشييده وقد رُويَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (يؤجر ابن آدم في كل شيء إلا ما وضعه في هذا التراب ) ومات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة : أى لم يشيد بناءه ولا طوله ولا تأنق فيه.

وقوله (رعاء الشاء)
إنما خص رعاء الشاء بالذكر لأنهم أضعف أهل البادية ، معناه أنهم مع ضعفهم وبعدهم عن أسباب ذلك بخلاف أهل الإبل فإنهم فى الغالب ليسوا عالة ولا فقراء،

وقوله ( فلبثت مليا)
قد روى بالتاء ، يعنى لبث عمر رضى الله عنه ، وروى (فلبث) بغير تاء يعنى : أقام النبي صلى الله عليه وسلم بعد انصرافه ، وكلاهما صحيح المعنى، وقوله ( ملًّيا) هو بتشديد الياء، أى زمانًا كثيرًا وكان ذلك ثلاثًا ، هكذا جاء مبينا في رواية أبي داود وغيره .

وقوله (أتاكم يعلمكم دينكم)
أي قواعد دينكم أو كليات دينكم : قاله الشيخ محي الدين في شرحه لهذا الحديث في صحيح مسلم :
أهم ما يذكر في هذا الحديث بيان الإسلام والإيمان والإحسان،

ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله تعالى ، وذكر في بيان الإسلام والإيمان كلامًا طويلًا، وحكى فيه أقوال جماعة من العلماء . منها ما حكاه عن الإمام أبي الحسين المعروف بابن بطال المالكي أنه قال : مذهب جماعة أهل السنة من سلف الأمة وخلفها : أن الإيمان قول وعمل يزيد و ينقص ، بدليل قوله تعالى
(لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ ۗ) ونحوها من الآيات . قال بعض العلماء : نفس التصديق لا يزيد ولا ينقص والإيمان الشرعي يزيد وينقص بزيادة ثمراته وهى الأعمال ونقصانها ، قالوا : وفي هذا توفيق بين ظواهر النصوص التي جاءت بالزيادة، وبين أصل وضعه في اللغة ، وهذا الذي قاله هؤلاء وإن كان ظاهراً فالأظهر والله أعلم أن التصديق يزيد بكثرة النظر لظاهر الأدلة ، ولهذا يكون إيمان المصدقين أقوى من إيمان غيرهم بحيث لا يغرنهم السفه ولا يتزلزل إيمانهم بعارض ، بل لا تزال قلوبهم منشرحة منيرة وإن اختلفت عليهم الأحوال فأما غيرهم من المؤلفة ومن قاربهم فليسوا كذلك ، وهذا لا يمكن إنكاره ولا يشك في نفس تصديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه لا يساويه أحد تصديق الناس ، ولهذا قال البخاري في صحيحه. قال ابن أبي مليكة : أدركت ثلاثين رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه ما منهم أحد يقول إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل عليهم السلام .

وأما إطلاق اسم الإيمان على الأعمال فمتفق عليه عند أهل الحق، ودلائله أكثر من أن تحصر . قال الله تعالى (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي صلاتكم ، وحُكي عن الشيخ أبي عمرو بن الصلاح في قوله صلى الله عليه وسلم ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وتقيم الصلاة ... إلخ ) ، ثم فسر الإيمان بقوله ( أن تؤمن بالله تعالى وملائكته ... إلخ) ، قال رحمه الله : هذا بيان أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، وبيان أصل الإسلام وهو الاستسلام والانقياد الظاهر ، وحكم الإسلام فى الظاهر ثبت فى الشهادتين ، وإنما أضاف إليها الصلاة والزكاة والصوم والحج لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها ، وبقيامه بها يصح استسلامه ، ثم إن اسم الإيمان يتناول ما فُسر به الإسلام فى هذا الحديث وسائر الطاعات،لكونها ثمرات التصديق الباطن الذى هو أصل الإيمان.

ولهذا لا يقع اسم المؤمن المطلق على من ارتكب كبيرة أو ترك فريضة ؛ لأن اسم الشيء مطلقًا يقع على الكامل منه ولا يستعمل في الناقص ظاهرًا إلا بنية ، وكذلك جاز إطلاق نفيه عنه في قوله صلى الله عليه وسلم ( لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ) واسم الإسلام يتناول أيضًا ما هو أصل الإيمان وهو التصديق الباطن ، ويتناول أصل الطاعات فإن ذلك كله استسلام. قال : خرج بما ذكرناه أن الإيمان والإسلام يجتمعان ويفترقان ، وأن كل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم مؤمنًا ، وقال : فهذا التحقيق واف بالتوفيق ، ونصوص الكتاب والسنة الواردة في الإيمان والإسلام التي طالما غلط فيها الخائضون . وما حققناه من ذلك موافق لمذهب جماهير العلماء من أهل الحديث وغيرهم، والله أعلم.

والحمدلله رب العالمين.
جزاك الله خيرا على هذا المجهود الجبار
 
الله يجزاك الف خير❤️❤️
بس تجنبي الألوان الفاتحة عشان باستخدام اللايت مود بتطلع باهته ومُزعجة للنظر
 
الله يجزاك الف خير❤️❤️
بس تجنبي الألوان الفاتحة عشان باستخدام اللايت مود بتطلع باهته ومُزعجة للنظر
تم سأحذر في المرات القادمة
 
  • Love
التفاعلات: BAYAN

آخر المشاركات

فانوس

رمضان
عودة
أعلى