موضوعنا اليوم عن مجاهد من ليبيا قاوم الإحتلال و الإستعمار الإيطالي للبلاد
عمر بن مختار الهلالي أو عمر المختار أو أسد الصحراء أو شيخ المجاهدين قدوة و يضرب به المثل في الإصرار و رفض الذل و الهوان و التمسك بحقك و إن حاربت الدنيا من أجله و هو دليل أن العمر ليس عائق
نحن الآن و للأسف نرى شبابًا ما زالوا بعمر العشرين و الثلاثين كما يقال لا شغلة و لا عملة, يتحججون بعدم بالبطالة و عدم وجود فرص العمل و تراهم خاملين
و هل تعلم كما كان عمر المختار عندما بدأ محرابة الإحتلال الإيطالي, ربما ستظن بسبب سمعته و تأثيره الكبير أنه كان بال 30 أو 35 و إن قلت لك لا قد تظن أنه بال 40 أو 45 و لكن الحقيقية أنه بدأ القتال و حمل السلاح و كان في الصفوف الأولى بعمر ال 58
هل تعلم ماذا يعني 58 ؟
في هذا العمر نقول للشخص اكتب وصيتك و ابقى في البيت على التلفاز و الراديو
و للعلم استمر في القتال لحوالي 20 سنة الى أن استشهد في ال 78 !!!
فالمهم, ولد بطلنا في البطنان أحد أكبر محافظات ليبيا حوالي 1858 أو 1862, حرص والده على تربيته تربية إسلامية سليمة وفق حركة تسمى الحركة السنوسية
محافظة البطنان في ليبيا
الحركة السنوسية : هي حركة إصلاحية إسلامية تأسست غرب الجزائر و تركز تواجدها على ليبيا و السودان تأسست بعد شعور مؤسسها بضعف المسلمين وتأخرهم دينيًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا، فأنشأ حركته التجديدية
من أهم و أبرز معتقداتها :
شعار / علم الحركة السنوسية
و للأسف تَوفَّى الله والد عمر المختار مبكرا حيث توفاه الله و هو في طريقه إلى الحج و عهد إلى أخوه بتربية عمر
و قام أخو الوالد (عم بطلنا اليتيم) فأدخله إلى مدارس القران و معاهد طلب العلم الشرعي التي يتواجد بها العلماء و الفقهاء فمكثف في معهد الجغبوب 8 سنين و أبدا بها حبا للعلم و ذكاء فذا و خلقا عاليا و أنه لم يكن يأجل عمل اليوم إلا الغد أبدا, فشتهر بالجدية و الحزم و الصبر
و زاد اسمه و سيطه مع الحركة السنوسية
و بعد أن بلغ و تعلم من العلوم الدينية الشيء الكثير و عن الأحوال في البيئة المحيطة به و تعلم عن التعامل مع البدو و القبائل و الأنساب و أصبح خبيرا في الصحراء و طرقها و أنواع النباتات خصائصها في العلاج
يُحكى أنه كان في رحلة مع أحد شيوخ السنوسية و كان هناك أسد في الطريق و اجتمعوا على أن يقدوا له إحدى إبلهم لكي يتجاوزوه و يدعوه ياكلها إلا ان بطلنا رفض ذلك و قال "إن الإتاوات التي كان يفرضها القوي منا على الضعيف قد أبطلت، فكيف يصحّ أن نعيدها لحيوان؟ والله إنها علامة ذلٍّ وهوان، والله إن خرج علينا لندفعه بسلاحنا"
و الحمد لله وفقه الله لقتله ثم سلخ جلده
و حصل عمر المختار على مناصب قيادية لأماكن و قبائل و عندما بدأت فرنسا بدخول تشاد التي قامت بها أول مملكة إسلامية (منقول من ويكبيديا) بالإضافة من أجل السيطرة على أهم طرق التجارة في الصحراء الكبرى
و من هناك بدأت محاربتهم للحركة السنوسية فالطبع قامت الحركة برد فعل طبيعي بتعيين بطلنا أحد القادة بعلمه بالصحراء و بالنباتات و القبائل و أنسابها و نحن نتحدث عن حوالي 1900 م أي بعد أن تجاوز عمر بطلنا ال 40 سنة
و في عام 1911 و مع توتر العلاقات مع الدولة العثمانية و الأهم رغبة دول الغرب بإسقاط الدولة العثمانية و تقسيمها فيما بينهم بدأت إيطاليا بالحرب الإيطالية العثمانية من خلال انزال مقاتلين في ثاني اكبر محافظات ليبيا ألا و هي بنغازي
و فور ما قام بطلنا بسماع الخبر قام بتجهيز 1000 مقاتل معه و انضموا للجيش العثماني المتواجد بالمنطقة
و بالطبع استخدم الغرب سلاح الطيران و هذه كانت أول حرب بالتاريخ تستسخدم بها المناطيد و الطائرات لقصف مناطق عسكرية للعدو
فمع زيادة النار و الحروب في العالم و منها حروب البلقان اضطردت الدولة العثمانية إلا توقيع اتفاقية سلام و من بندوها خروج الجيش العثماني من ليبيا و تسليهما لإيطاليا و يمنع أي جندي عثماني من اعطاء سلاحه لأي مقاوم ليبي
فلم يتبقى في ليبيا إلا جيش لديه طائرات و مناطيد و قذائف و مجموعة مقاومين أصحاب أرض بسلاح قليل و لكن بعقيدة قوية
فحصلت الكثيير من المعارك فمن الطبيعي ان تسمع عن معركة قتل فيها 70 جندي إيطالي و اصيب فيها 400 جندي
و يبدو وقتها أن الحركة السنوسية قد وزعت عملها فمنهم من عمل على جبهة محاربة الإستعمار البريطاني في مصر و منهم من عمل على الإستعمار الإيطالي في ليبيا
و بأوامر من الدولة العثمانية تحديدًا نوري باشا (ممثل الحكومة العثمانية في برقة) أن تتوقف هجمات المقاومة على البريطانيين في مصر و الإيطاليين في ليبيا و بعد القليل من المفاوضات مع شيخ الحركة (إدريس السنوسي) توصلوا إلا اتفاق سلم ما أدى لتفكك المقاومين ما أدى لإضعاف المقاومة بشكل كبير و ما رفضه كل شيوخ القبائل و أنهم لم يبايعوه إلا إذا حاربوا الإيطاليين و وقتها فر إلى مصر بحجة المرض و بقيت الحركة بقائد هارب يدعي المرض
و لكن بطلنا أصر على المقاومة و أن لا سلم مع المحتل, فأعاد تجميع ما قدر عليه من المقاومين و اتبع أسلوب الكر و الفر مع المقاومين معه بأسلحه و بنادق خفيفة و بسيطة و لكنها مع عقيدة و عزيمة قوية أذاقت الإيطاليين الويلات, فتحول وقتها عمر المختار من معلم قران إلى مجاهد في سبيل الله و ما أعظمه من تحول
و في عام 1923 غيرت إيطاليا سياستها من الحوار إلى تدمير كل ما يتحرك
فترك عمر المختار و كل القبائل من المقاومين عند مكان يسمى الجبل الأخضر فستمروا بالكبر و الفر منه و لم يستطع الإيطاليين إيقافهم ما أدى لإنهاكهم و تدمير نفستهم
فبدأ حصار على الجبل الأخضر و مفواضات و إغراءات لشيوخ القبائل بالتوقف عن المقاومة و للأسف قد استجاب الكثير منهم و تفاوضت إيطالية مع الحركة على الزام بطلنا بالتوقف عن المقاومة فخفف قتاله و مواجهته ضد المستعمر الإيطالي ما سمح لبدء مفاوضات حقيقية
و من المواقف التي حصلت أنه في حين كان يؤدي المقاومون صلاة العيد أنقض عليهم الإيطاليين و لكنهم ردوا ذلائل صاغرين و هنا تأكد إيطاليا أنه لا حل إلا المفاوضات مع عمر المختار نفسه و لكن عمر أصر على عدم الجلوس على أي طاولة إلى بعد إعادة شخص يدعى السيّد محمد الرضا من منفاه
و تم عقد الكثيير من الإجتماعات و عرض على المختار في أحداها أن يسافر لمصر او الحجاز أو يبقى و سيخصص له راتب ضخم و يعيش مثل الملوك و لكن شخص يقاتل في سبيل الله طامع بما عند الله لن يغيره هذا الكلام
فتم الإتفاق في النهاية على عدد من الشروط التي كانت كلها لمصلحة ليبيا و المجاهدين للعيش مع المتوطنين الإيطاليين في سلام
و قد قال أحد الكتاب الإيطاليين عن الطريقة التي حضر بها عمر المختار : "وصل عُمر المُختار مكان الاجتماع محاطًا بفرسانه كما يصل المُنتصر الذي جاء ليملي شروطه على المغلوب"
و بالطبع بدأ الخداع و تغيير جذري لشروط الإتفاق من قبل الإيطاليين فعادت الثورة و من أقوال عمر المختار حينها
"فليعلم إذًا كلُّ مجاهد أنَّ غرض الحكومة الإيطاليَّة إنما بث الفتن والدسائس بيننا لتمزيق شملنا وتفكيك أواصر اتحادنا ليتم لهم الغلبة علينا واغتصاب كل حق مشروع لنا كما حدث كثير من هذا خلال الهدنة، ولكن بحمد الله لم توفق إلى شيء من ذلك. وليشهد العالم أجمع أن نوايانا نحو الحكومة الإيطاليَّة شريفة، وما مقاصدنا إلا المطالبة بالحرية وإن مقاصد إيطاليا وأغراضها ترمي إلى القضاء على كل حركة قوميَّة تدعو إلى نهوض الشعب الطرابلسي وتقدمه... فهيهات أن يصل الطليان إلى غرضهم مادامت لنا قلوبٌ تعرف أن في سبيل الحرية يجب بذل كل مرتخصٍ وغالٍ"
و في معركة كبيرة تمكنوا فيها من أخذ نظارة المختار التي كانت على الأرض و حصانه
و بعد المعركة كان عمر برفقة عدد قليل من رفاقه حيث وجدتهم وحدة استطلاع إيطالية فأبلغت عن موقعهم ما أدى لقدوم الجيش و أسر بطلنا عمر المختار
و قال عنه لاحقا من رافقه بالعربة في ذهابه للسجن "هذا الرجل اسطورة الزمان الذي نجا آلاف المرات من الموت ومن الأسر واشتهر عند الجنود بالقداسة والاحترام لأنه الرأس المُفكر والقلب النابض للثورة العربيَّة (الإسلاميَّة) في برقة وكذلك كان المُنظم للقتال بصبر ومهارة فريدة لا مثيل لها سنين طويلة والآن وقع أسيرًا في أيدينا"
و في المحاكمة و بعد أن أبلغ بقرار الإعدام كل ما قاله "إنَّ الحكم إلّا لله.. لا لحكمكم المُزيَّف.. إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون"
و انتشرت أخبار إعدامه في كل مكان حتى إن إيطاليا قد أصدرت أوامر بالإعتداء بالضرب على كل من يبكي على موت عمر المختار.
و في وصف أحد الجنرالات عنه "ذنبه الوحيد أنه كان يكرهنا كثيراً، وفي بعض الأحيان يسلّط علينا لسانه، ويعاملنا بغلظةٍ مثل الجبليّين، كان دائماً معادياً لنا ولسياساتنا في كافة الأحوال، ولا يلين أبداً، ولا يهادن، إلا إذا كان الموضوع في صالح وطنه ليبيا، ولم يخن قيادته، فهو دائماً موضع الاحترام رغم التصرّفات التي تبدر منه في غير صالحنا"
و بالطبع ظنت إيطاليا أن حركة المقاومة مربوطة بشخص و تموت لموته و لكن ما حصل هو العكس تمام إذ إن المقاومة اشتدت على الإيطاليين و الحكومة الإيطالية
فرحمك الله يا شيخ المجاهدين و أسد الصحراء .. رحمك الله يا عمر المختار
إن أصبت فهو من الله و إن أخطات فهو من نفسي و الشيطان
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
