




السمعة:
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " [آل عمران: 102]
"يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا" [النساء: 01]
"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا " [الأحزاب: 70]
أما بعد:
روى الترمذي في سننه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما من أحد يموت إلا ندم قالو وما ندامته يا رسول الله؟ قال إن كان محسنا ندم ألا يكون ازداد، وإن كان مسيئا ندم ألا يكون نزع) أي يندم المحسن إذا رأى الجزاء والثواب لو أنه زاد في العمل حتى زادت درجته، ويندم المسئ إذا رأى العذاب والعقاب لو أنه نزع وتاب ورجع إلى ربه، هذا بعد موته ومفارقته لهذه الحياة، ولا شك أنه فرق بين الندمين،
ومما يزيد العبد تحسرا وندما تضييعه للأيام الفاضلة الذي يزداد فيها الأجر ويوسع فيها العطاء، كأيام هذا الشهر، الذي نعيشه ونتقلب فيه، يندم العبد على تضييعه لسهولة تحصيل هذا الخير العظيم، ولهذا يا عباد الله من حرم خير هذا الشهر فهو المحروم حقا ولهذا قال صلى الله عليه وسلم :- ( رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ ثُمَّ انْسَلَخَ قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ ( متفق عليه،
فعلى العبد أن يدرك حقيقة هذا الأمر العظيم، حتى لا يندم وليدرك أن زمن رمضان فرصة واحدة في العام فإن كان قد أدركه هذا العام فقد لا يدركه عام آخر، وها هو شهركم قد انتصف، وما بقي من أيامه كمثل ما مضى، فإن كانت بدايته ذهبت سريعة، فاعلم أن الانحدار أسرع من الصعود، أي ما بقي يذهب أسرع مما مضى ، والناظر إلى أحوالنا يرى أن الهمم صارت تفتر، والمساجد والمصاحف صارت تهجر ، بخلاف أول الشهرة وصارت الأسواق ،تعمر ، وكأن التزين للعيد هو الغاية التي تُقصد، هكذا أحوال كثير منا، ويخشى أن يكون هذا من التخذيل والتثبيط الذي يجعله الله في نفس العبد عندما يرى منه التقاعس وعدم الرغبة في إصابة الخير يقول الله عز وجل عن المنافقين ( وَلَوْ أَرَادُواً الْخُرُوجُ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةَ وَلكِن كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَتَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَعِدِينَ ) فالجهاد من أعظم أعمال الخير لما تقاعسوا عنه واعتذروا لأنفسهم كره الله انبعاثهم وجهادهم فثبطهم عن إصابة هذا الخير العظيم، فكذلك الحال في بقية الأعمال الصالحة، فليحذر العبد أن يكون الله ممن كره انبعاثه يعطي له الفرص ويهيئ له الخير وهو يعرض ويأبى أن يصيب من ذلك الخير .
ولهذا من نظر إلى الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة نبينا صلى الله عليه وسلم أن عمله كان ديمة أي: يداوم عليه ويستمر فيه، وأما في أيام المواسم فكان صلى الله عليه وسلم يستغلها بالجد والاجتهاد، ولهذا كان في رمضان أجود بالخير من الريح وكان يجتهد اجتهادا حتى لا يكاد يُقدر عليه، وكان يجتهد في آخر الشهر أشد اجتهادا من أوله، وكان يخلط ليالي العشرين الأول بين يقظة ومنام فإذا دخلت العشر الأواخر أحيا ليله كله وأيقظ أهله وشد مئزره أي كناية على شدة اجتهاده، وكان قديما إذا أراد أن يجتهد في إقامة عمل ما بكل جدية شمر ثوبه وشده حتى يقوم به بكل جد ونشاط ، فهذا معنى وشد مئزره،
واعلموا عباد الله أن العشر الأوسط أفضل من العشر الأول وأن العشر الأواخر أفضل من العشر الأوسط والأول، يقول ابن رجب رحمه الله (وكل زمان فاضل من ليل أو نهار آخره أفضل من أوله)
فيوم الجمعة مثلا آخره أفضل من أوله ويوم عرفة كذلك، وآخر اليل أفضل من أوله وكذلك شهر رمضان آخره أفضل من أوله ، والحكمة من ذلك كما ذكر أهل العلم أن النفوس إذا بدأت بالعمل كلت وملّت، فرغبت بفضل آخر الأوقات على أولها حتى تنشط إلى آخر الوقت فتعمل العمل الصالح، فالذي ينبغي منا هو الزيادة في الأعمال الصالحة، في هذه الأيام والتي بعدها، فعلى المرء أن يحذر من ضياع شهره، وأن يفوت وقته في تلك الأسواق والملهيات والسهرات الفارغة، وإذا أراد المرء السوق فليكن بقدر الحاجة، وإذا خرج بصحبة أهله فليحرص على عفتها وسترتها، وأن يصونها عن أعين الناظرين والذئاب المارقين،
وإني لأعجب ممن يطلق امرأته وبناته وإن كانت بصحبة النساء إلى تلك الأسواق إلى تلك البقاع البغيضة إلى الله، حيث مرتع الفساق والفجار يقضين تلك الساعات الطوال في ليالي هذا الشهر وحدهن عياذا بالله, وآخر جالس في السيارة وزوجه من محل إلى محل تخاطب الرجال وتماكس الباعة، أين عقلك ؟ وأين غيرتك ؟ واعلم أنك كلما وسعت في توفير الرغبات لدى النساء زاد الطلب، واعلم أنك إذا لم تكن حازما غيورا على أهلك سقطت من عينها ولو أظهرت لك خلاف ذلك، وبالتالي لا تسأل عن أسباب كثرة الطلاق إذا كان الحال كما نری
الواجب على الزوج أن يسلك في معاشرته لأهله المسلك الشرعي فالشرع أمر بالتستر والحجاب وعدم اتخاذ الزينة عند الخروج ، وحجابها هو لباسها الذي يحجبها عن أعين الناظرين فلا يكون لباسها ملفتا للنظر ، يكون ملونا مزركشا او ضيقا او بنطلونا فليس كل لباس يجوز الخروج به، والناظر إلى أكثر حجاب نسائنا اليوم يحتاج إلى حجاب،
ولهذا خرجت بلباس فيه زينة أو متعطرة ولو للمسجد وجب لزوجها أو لوليها أن يمنعها وإن تركها فهو آثم معها، فكيف بتركها بهذا اللباس تذهب إلى الأسواق التصادم من لا خلاق له,
وإني لأتعجب أنك ترى الحرص الشديد على الفصل بين الجنسين في المساجد التي لا يسوغ للعبد إذا أراد سوءا أن يأتي إليها، بينما نجد تساهلا شديدا في الاختلاط في شر البقاع فوقع بسبب ذلك الشر العظيم، فالواجب إحكام هذا الباب الإحكام الشرعي،
واعلموا عباد الله أن أول ليلة من العشر الأواخر ستكون بعد غروب شمس يوم الخميس القادم أي الليلة التي صبيحتها الجمعة، فمن أراد أن يعتكف العشر كلها فليدخل من اليل على الصحيح وإذا نوى الاعتكاف لا يجوز له الخروج إلا لضرورة أو حاجة ملحة.
فاتّقوا الله عبادَ الله، واحرِصوا على الاشتغال بكلِّ علمٍ نافع وكلّ عمل صالح تبلغون به رضوانَ الله.
عباد الله: استغلوا هذه العشر الأواخر من رمضان بالصلاة والقيام وقراءة القرآن والاعتكاف والذكر والدعاء والانفاق والصدقة، تقبل الله أعمالكم، وحفظ الله أمتكم ومجتمعاتكم، فاللهم تقبل صيامنا وصلاتنا وقيامنا، واجعل شهر رمضان شاهداً لنا بالحسنات لا شاهداً علينا بالمعاصي والسيئات، وتقبله منا خالصاً لوجهك الكريم، واحفظ علينا نعمة الإسلام، وبركة الطاعة، وحلاوة الإيمان.
وصلى اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه اجمعين
والحمد لله رب العالمين...
التعديل الأخير بواسطة المشرف: