مضى على الشبكة و يوم من العطاء.

خطبة الشيخ الطيِّب السرَّاج في المجمع اللُّغوي في مصر عام 1933

فياض

./عضو جديد

السمعة:

خطبة الشيخ الطيِّب السرَّاج في المجمع اللُّغوي في القاهرة عام 1933..
عندما تحدى أعضاء المجمع وإرتجل قصيدته "التجديد
"
العالم اللغوي الشيخ الطيّب السرَّاج.webp

الشيخ الطيِّب السرَّاج إِمام اللُّغة العربية في العصر الحديث، وهو أول من حمل راية السُّودان في المجامع اللُّغوية، وأول سوداني ينال عضوية المجمع اللُّغوي في القاهرة، الذي كان يُعرف آنذاك باسم "مجمع فؤاد الأوَّل للغة العربية"، وذلك في العام 1933 بعد صدور المرسوم الملكي بتأسيسه في العام 1932.

ولقد بدأ السرَّاج مشواره كعضو في هذا الصرح العلمي، ثم ترقى في المناصب حتى اختير رئيساً للجنة التحقيق وإِحياء الكتب القديمة، قبل تقلده مرتبة العضو المراسل في خمسينيات القرن العشرين.

ومما تجدر الإِشارة إِليه هنا أن البروفيسور عبد الله الطيِّب، لم يكن تلميذاً نهل من علم السرَّاجي فحسب، بل جليساً للسرَّاج ومجالِساً له في حلقات الفكر واللُّغة بصالون السرَّاج الأدبي "منتدى الأصالة" الذي كان عضواً فيه، والذي يُعدُّ أول صالون أدبي في السُّودان تأسس في عشرينيات القرن الماضي، وثاني صالون أدبي في الوطن العربي بعد صالون "مي زيادة" في مصر.

ويروي البروفيسور عبد الله الطيب في تحقيق صحفي نشرته صحيفة الرأي العام عن قصة ترشيح الشيخ الطيِّب السرَّاج للمجمع اللغوي، والتي نقلها الكاتب الصحفي المخضرم الأستاذ إِبراهيم دقش، حيث يقول البروفيسور عبد الله الطيِّب:


"كنتُ ضمن الوفد الذي ذهب إِلى القاهرة لتقديم الشيخ الطيِّب السرَّاج مرشحاً عن السُّودان في المجمع اللُّغوي، وأقمنا في بيت السُّودان، وعشية جلسة الترشيح اتصلت بعميد الأدب العربي الأستاذ طه حسين، وقرأت عليه أبياتاً من قصيدة للسرَّاجي يمدح فيها ملك اليمن وإِمامها، يقول فيها:


يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمَرْجُوُّ نَائِلُهُ
وَالْمُسْتَغَاثُ بِهِ فِي مُخْلَفِ الْمَزْنِ
إِلَيْكَ جِئْتُ مِنَ السُّودَانِ تَرْفَعُنِي
إِلَى لِقَائِكَ أَشْوَاقِي وَتَخْفِضُنِي
مُهَاجِرًا مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، لَيْسَ لَنَا
عَنْهَا مُرَاغَمَةٌ إِلَّا إِلَى الْيَمَنِ
أَهْلَ الْمَصَانِعِ مِنْ غَمْدَانَ تَحْسَبُهُ
إِذَا دَجَا اللَّيْلُ سَحَّ الْعَارِضِ الْهَتَنِ

فقال لي: "إِنَّ الذي يكتب مثل هذا الشعر قد مات واندثر منذ آلاف السنين"، فأجبته: "بل هو حي يرزق، وهو معي في بيت السُّودان، وهو مرشح السُّودان للمجمع اللُّغوي."

وقد شهدت جلسة الترشيح تحدياً نبيهاً من السرَّاج لأعضاء المجمع، حين طلب منهم أن يأتوا بما يعرفونه من أسماء الأسد، فلم يستطع الحاضرون حصر أكثر من سبعة عشر اسماً، فيما أتم السرَّاج العد حتى وصل إِلى ثلاثة مائة اسماً.

وقد استهلّ السرَّاجي خطبته في المجمع اللُّغوي بأبيات من قصيدته الباذخة "التجديد"، التي عُرفت بين النقّاد برائعة القريض العربي، ويزيد عدد أبياتها عن 500 بيت؛ وقد تناقلت الروايات نسختين من هذه القصيدة: إِحداهما مكتوبة، والأَخرى مرتجلة ألقاها في حضرة المجمع ارتجالاً، فأسرت القلوب بجزالة لفظها وعراقة أسلوبها. وهنا أورد الصيغة المرتجلة لأوائل أبياتها التسعة، إِذ تجلّى فيها ألق البيان، وتوهّجت فيها روح الشعر الأصيل، فانبثقت منها حرارة الخطاب ووهج الرسالة.

قالوا اسْتَعِيدُوا مَجْدَكُمْ تَجْدِيدا
لَاقَى الْمُرَادُ مِنَ النَّصِيحِ مَرِيدا
قَرَعَ الظَّنَابِيبَ الْيَعَاسِيبَ الأُلَى
يُحْيُونَ فِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِيدا
شَدَّ الْحَيَازِيمَ الْكِرَامَ لِيَبْعَثُوا
بَعْدَ الْبِلَى لُغَةَ الْجُدُودِ جَدِيدا
لُغَةَ الْجَحَاجِيحِ، الْوَحَاوِيحِ،
الْمَصَابِيحِ، السَّمَاةِ جُدُودا
أَعْنِي الْمَرَازِبَةَ، الْمَلَاوِثَةَ، الْخَلَاجِمَةَ،
الْخَضَارِمَةَ، الْأَبَاةَ الصِّيْدَا
مِنْ كُلِّ سَرْدَاحٍ كَهَاةٍ جَسْرَةٍ
جَلْسٍ عَشُوزَنَةٍ تُؤَوِّدُ الْجُودَا
كَوْمَاءَ بَادِيَةِ الدُّخَيْسِ دَرْفَسَةً
كَبْدَاءَ تَنْزِعُ مَشْيَهَا تَهْوِيدَا
خطبة الشيخ الطيِّب السرَّاج في المجمع اللُّغوي في القاهرة عام 1933.. عندما تحدى أعضاء المجمع وإرتجل قصيدته "التجديد"

الشيخ الطيِّب السرَّاج
إِمام اللُّغة العربية في العصر الحديث، وهو أول من حمل راية السُّودان في المجامع اللُّغوية، وأول سوداني ينال عضوية المجمع اللُّغوي في القاهرة، الذي كان يُعرف آنذاك باسم "مجمع فؤاد الأوَّل للغة العربية"، وذلك في العام 1933 بعد صدور المرسوم الملكي بتأسيسه في العام 1932.

ولقد بدأ السرَّاج مشواره كعضو في هذا الصرح العلمي، ثم ترقى في المناصب حتى اختير رئيساً للجنة التحقيق وإِحياء الكتب القديمة، قبل تقلده مرتبة العضو المراسل في خمسينيات القرن العشرين.

ومما تجدر الإِشارة إِليه هنا أن البروفيسور عبد الله الطيِّب، لم يكن تلميذاً نهل من علم السرَّاجي فحسب، بل جليساً للسرَّاج ومجالِساً له في حلقات الفكر واللُّغة بصالون السرَّاج الأدبي "منتدى الأصالة" الذي كان عضواً فيه، والذي يُعدُّ أول صالون أدبي في السُّودان تأسس في عشرينيات القرن الماضي، وثاني صالون أدبي في الوطن العربي بعد صالون "مي زيادة" في مصر.

ويروي البروفيسور عبد الله الطيب في تحقيق صحفي نشرته صحيفة الرأي العام عن قصة ترشيح الشيخ الطيِّب السرَّاج للمجمع اللغوي، والتي نقلها الكاتب الصحفي المخضرم الأستاذ إِبراهيم دقش، حيث يقول البروفيسور عبد الله الطيِّب:


"كنتُ ضمن الوفد الذي ذهب إِلى القاهرة لتقديم الشيخ الطيِّب السرَّاج مرشحاً عن السُّودان في المجمع اللُّغوي، وأقمنا في بيت السُّودان، وعشية جلسة الترشيح اتصلت بعميد الأدب العربي الأستاذ طه حسين، وقرأت عليه أبياتاً من قصيدة للسرَّاجي يمدح فيها ملك اليمن وإِمامها، يقول فيها:


يَا أَيُّهَا الْمَلِكُ الْمَرْجُوُّ نَائِلُهُ
وَالْمُسْتَغَاثُ بِهِ فِي مُخْلَفِ الْمَزْنِ
إِلَيْكَ جِئْتُ مِنَ السُّودَانِ تَرْفَعُنِي

إِلَى لِقَائِكَ أَشْوَاقِي وَتَخْفِضُنِي
مُهَاجِرًا مِنْ بِلادِ الشِّرْكِ، لَيْسَ لَنَا
عَنْهَا مُرَاغَمَةٌ إِلَّا إِلَى الْيَمَنِ
أَهْلَ الْمَصَانِعِ مِنْ غَمْدَانَ تَحْسَبُهُ
إِذَا دَجَا اللَّيْلُ سَحَّ الْعَارِضِ الْهَتَنِ

فقال لي: "إِنَّ الذي يكتب مثل هذا الشعر قد مات واندثر منذ آلاف السنين"، فأجبته: "بل هو حي يرزق، وهو معي في بيت السُّودان، وهو مرشح السُّودان للمجمع اللُّغوي."

وقد شهدت جلسة الترشيح تحدياً نبيهاً من السرَّاج لأعضاء المجمع، حين طلب منهم أن يأتوا بما يعرفونه من أسماء الأسد، فلم يستطع الحاضرون حصر أكثر من سبعة عشر اسماً، فيما أتم السرَّاج العد حتى وصل إِلى ثلاثة مائة اسماً.

وقد استهلّ السرَّاجي خطبته في المجمع اللُّغوي بأبيات من قصيدته الباذخة "التجديد"، التي عُرفت بين النقّاد برائعة القريض العربي، ويزيد عدد أبياتها عن 500 بيت؛ وقد تناقلت الروايات نسختين من هذه القصيدة: إِحداهما مكتوبة، والأَخرى مرتجلة ألقاها في حضرة المجمع ارتجالاً، فأسرت القلوب بجزالة لفظها وعراقة أسلوبها. وهنا أورد الصيغة المرتجلة لأوائل أبياتها التسعة، إِذ تجلّى فيها ألق البيان، وتوهّجت فيها روح الشعر الأصيل، فانبثقت منها حرارة الخطاب ووهج الرسالة.

قالوا اسْتَعِيدُوا مَجْدَكُمْ تَجْدِيدا
لَاقَى الْمُرَادُ مِنَ النَّصِيحِ مَرِيدا
قَرَعَ الظَّنَابِيبَ الْيَعَاسِيبَ الأُلَى
يُحْيُونَ فِينَا كُلَّ يَوْمٍ عِيدا
شَدَّ الْحَيَازِيمَ الْكِرَامَ لِيَبْعَثُوا
بَعْدَ الْبِلَى لُغَةَ الْجُدُودِ جَدِيدا
لُغَةَ الْجَحَاجِيحِ، الْوَحَاوِيحِ،
الْمَصَابِيحِ، السَّمَاةِ جُدُودا
أَعْنِي الْمَرَازِبَةَ، الْمَلَاوِثَةَ، الْخَلَاجِمَةَ،
الْخَضَارِمَةَ، الْأَبَاةَ الصِّيْدَا
مِنْ كُلِّ سَرْدَاحٍ كَهَاةٍ جَسْرَةٍ
جَلْسٍ عَشُوزَنَةٍ تُؤَوِّدُ الْجُودَا
كَوْمَاءَ بَادِيَةِ الدُّخَيْسِ دَرْفَسَةً
كَبْدَاءَ تَنْزِعُ مَشْيَهَا تَهْوِيدَا
 

آخر المشاركات

عودة
أعلى