




السمعة:
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أقوم الناس طاعة بفعل المأمور وترك المحظور، صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الحشر والنشور، وسلم تسليماً.(إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [الحج: 6-7].
أما بعد:
أيها الناس، اتقوا الله تعالى وفكروا في دينكم وآخرتكم، في حياتكم وموتكم، في حاضركم ومستقبلكم. فكروا في هذه الدنيا، فيمن مضى من السابقين الأولين منهم والآخرين، ففيهم عبرة لمن اعتبر. عمروا في هذه الدنيا فعمّروها، وكانوا أكثر منا أموالاً وأولاداً وأشد منا قوة وتعميراً، فذهبت بهم الأيام كأن لم يكونوا، وأصبحوا خبراً من الأخبار. وأنتم على ما ساروا عليه سائرون، وإلى ما صاروا إليه صائرون. سوف تنتقلون عن هذه الدنيا إلى القبور بعد القصور، وسوف تنفردون بها بعد الاجتماع بالأهل والسرور. سوف تنفردون بأعمالكم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، إلى يوم النشور.
وحين ذلك ينفخ في الصور، فيقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، حفاة بلا نعال، وعراة بلا ثياب، وعزل بلا ختان.
حدث النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث، فقالت عائشة: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: "يا عائشة، الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض." وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن الأمر أشد من أن ينظر بعضهم إلى بعض، إنه أعظم من أن تسأل الأم عن ولدها والابن عن أبيه. قال تعالى:
(فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ) [المؤمنون: 101].
(إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحج: 1-2].
هناك قلوب خائفة وأبصار خاشعة، هنالك تنشر الدواوين وهي صحائف الأعمال، فيؤخذ المؤمن كتابه بيمينه، ويؤخذ الكافر كتابه بشماله من وراء ظهره. فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول فرحاً مسروراً:
وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول جزعاً مغموماً:(هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) [الحاقة: 19].
ويدعو ثبوراً. وهناك توضع الموازين، فتوزن فيها أعمال العباد من خير وشر.(يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ) [الحاقة: 25].
(فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة: 7-8]. وقال الله تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) [الأنبياء: 47].
في ذلك اليوم يموج الناس بعضهم في بعض، ويصيبهم من الغم والكرب ما لا يطيقون، فيقول الناس: ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيأتون آدم، ثم نوحاً، ثم إبراهيم، ثم موسى عليهم الصلاة والسلام، كلهم يقدم عذراً. ثم يأتون إلى عيسى عليه السلام، فيقول: ليس لي ذلك، ولكن ائتوا محمداً صلى الله عليه وسلم، عبداً غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فيأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول مفتخراً بنعمة الله: أنا لها. فيستأذن من ربه عز وجل، فيخر له ساجداً، ويفتح الله عليه من محامده وحسن الثناء عليه ما لم يفتحه على احد قبله, فيدعه الله ما شاء الله ان يدعه، ثم يقول : يامحمد ,ارفع رأسك، وقل تسمع، واشفع تشفع، وسل تعط. وفي ذلك اليوم ينزل الله للقضاء بين عباده وحسابهم فيخلو بعبده المؤمن وحده ويضع عليه ستره ويكلمه ليس بينه وبينه ترجمان فيخبره بما عمل من ذنوبه حتى يقر ويعترف، فيظهر الله عليه فضله فيقول: قد سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم.
وفي ذلك اليوم الحوض المورود لمحمد *صلى الله عليه وسلم* مَاؤُهُ أشد بياضًا من اللبن وأحلى من العسل وأطيب من ريح المسك طوله شهر وعرضه شهر وأنيته كنجوم السماء كثرة وإضاءة لا يرده إلا المؤمنون به المتبعون لسنته من يشرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدا, أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين.في ذلك اليوم تدنو الشمس من الخلق حتى تكون قدر ميل فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمهم العرق إلجاما. ويظل الله من يشاء في ظله يوم لا ظل إلا ظله، فاللهم اجعلنا مع من تظللهم في ظلك يوم لا ظل إلا ظلك.
ففي يوم القيامة في ذلك اليوم يقول الله يا آدم فيقول لبيك وسعديك والخير كله في يديك فيقول أخرج بعث النار من ذريتك قال وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فعند ذلك يشيب الصغير.
في ذلك اليوم يوضع الصراط على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف وترسل الأمانة والرحم فيقومان جانبي الصراط يمينا وشمالا فيمر الناس عليه على قدر أعمالهم تجري بهم أعمالهم فمنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالبرق ومنهم من يمر زحفا ومنهم ما بين ذلك، ونبيكم آخذا بأطراف الصراط يقول يا رب سلم سلم. قال النبي *صلى الله عليه وسلم*: «فيكون أول من يجوز ويعبر من الرسل بأمته ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم». «وفي حافتي الصراط كلاليب معلقة مأمورة تأخذ من أمرت به فمخدوش ناج ومكروس في النار».
في ذلك اليوم يتفرق الناس إلى فريقين فريق في الجنة وفريق في السعير:
فاتقوا الله عباد الله وخذوا لهذا اليوم عدته فإنه مصيركم لا محالة وموعودكم لا ريب فيه وإنه على علمه وشدته وهوله ليكون يسيرا على المؤمنين المتقين لأن الله يقول:(وَيَوْمَ تَقُومُ ٱلسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍۢ يَتَفَرَّقُونَ * فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَهُمْ فِى رَوْضَةٍۢ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ وَكَذَّبُوا۟ بِـَٔايَـٰتِنَا وَلِقَآئِ ٱلْـَٔاخِرَةِ فَأُو۟لَـٰٓئِكَ فِى ٱلْعَذَابِ مُحْضَرُونَ *) [الروم: 14-16].
(وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) [الفرقان: 26].
فاتقوا الله عباد الله واتقوه وأعلموا أن الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه.
اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة نسألك بأن نشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم خفف عنا أهوال ذلك اليوم واجعلنا فيه من السعداء والحقنا بالصالحين يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعديل الأخير بواسطة المشرف: